الصحافي بوعشرين يتضامن مع زميله الريسوني والسلطة تعاقبه

توفيق بوعشرين مؤسس أخبار اليوم

بعث منذ أيام الصحافي المعتقل توفيق بوعشرين، مؤسس جريدة أخبار اليوم، من سجنه بعين البرجة بالدار البيضاء، برسالة تضامن مع زميله سليمان الريسوني. وكان الصحافي الأخير، وهو رئيس تحرير نفس الجريدة المستهدفة من لدن النظام، قد اعتقل بدوره نهاية شهر رمضان الماضي من لدن فرقة أمنية مكونة، حسب عائلته، من خمسة عشر عنصرا باللباس المدني. إلى حد الآن الأمر عادي وشائع، تضامن معتقل سياسي مع معتقل سياسي آخر، وكما يقول الشاعر الفلسطيني عبد الكريم الكرمي أبو سلمى:
انشر على لهب القصيد ـ شكوى العبيد الى العبيد ـ شكوى يرددها الزمان الخ..
ما أثار انتباه الرأي العام ليس فقط أن مندوبية السجون خرجت ببلاغ رسمي يكذب الخبر وكأن الأمر خطير، بل إن الجرائد المقربة من السلطة أعطت للبيان وللواقعة كلها أهمية تتجاوزها كما استغلت الواقعة للتشهير بالصحافيين معا.
فما السر الكامن وراء هذه الضجة المفتعلة؟ فليست هذه أول رسالة شفوية، عبر الدفاع، أو مكتوبة عبر الإدارة يخرجها بوعشرين أو سجين آخر من السجن، بل إن هذا ولا شك يحدث مئات المرات كل يوم بسجون المملكة التي تأوي عشرات الآلاف من المعتقلين المدانين أو الاحتياطيين؟

يبدو أن السبب في انزعاج السلطة من الخبر هو أن رسالة بوعشرين لزميله تذكر بأن الصحافيين ينتميان لنفس المؤسسة ولهما خط تحريري متشابه. كما أن سليمان الريسوني اعتقل على خلفية تهم أخلاقية مشابهة لتلك التي اعتقل بدعواها توفيق بوعشرين منذ حوالي السنتين ونصف السنة. وهذا التشابه هو المشكل إذ خلق إشكال شبهة لدى جزء من الرأي العام أن في الأمر إن.
الواقعة وما تلاها تظهر وكأن لدى إدارة مندوبية السجون تعليمات بالتعامل مع الصحافي الأسير بالحزم اللازم حتى لا نقول أكثر. فصيغة بيانها التكذيبي، الذي لا يكذب شيئا في الحقيقة، يؤكد أن الهدف الأول من خروجها للرأي العام حول حدث يومي عابر، هو تبرئة نفسها من أن لا علاقة لها بالرسالة وبحديث الإعلام عن تضامن المدير السابق لأخبار اليوم برئيس التحرير السابق. فبلاغ المندوبية يقول بالحرف:
»
أنه لم يُبْعث بأية رسالة من المعني بالأمر إلى أية جهة بالمحتوى المشار إليه في المقال بالطريقة القانونية الخاصة بإرسال وتسلم الرسائل من وإلى المؤسسات السجنية. « وبعبارة أوضح أنها ليست المسؤولة وأن المسؤول قد يكون هو دفاع الصحافي الذي زاره بالسجن قبيل نشر النص التضامني. أمر آخر أكثر خطورة هو مبادرة مندوبية السجون اللاقانونية للضغط على الصحافي المحكوم بخمس عشرة سنة سجنا نافذا، وكأن هذا لا يكفي.
تم إخضاع الصحافي، حسب أسرته، لتفتيش مهين كما تم إفراغ زنزانته بالكامل إذ صودرت الطاولة والكرسي وحتى السجادة والسبحة والكتب والمعقم كما تم حرمانه من الفسحة ومن الاتصال هاتفيا بعائلته يوم الجمعة. والأدهى من كل ذلك أن المندوبية وهي التي تعترف ضمنيا في بيانها أن رسالته التضامنية كانت شفوية، مارست عليه ضغطا شديدا حتى يكذب ما صدر عنه من تضامن مع زميله. إن الصحافي بوعشرين، وهو المعتقل تعسفيا حسب مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة من لدن السلطات، كانت قد مثلت محاكمته غير العادلة انتقاما من افتتاحياته النارية ضد النظام، يعاقب من جديد بهذه الطريقة التي تفاقم من التعذيب النفسي الذي يمارس عليه أصلا عبر السجن الانفرادي والعزلة التامة التي يعيش فيه منذ اعتقاله. وقد أدانت هذه العزلة غير المبررة المنظمات الحقوقية ومنها منظمة «هيومن رايتس ووتش».
يبدو أن الهدف من هذا الانتقام من بوعشرين هو ألا يعود مرة أخرى أثناء محاكمة سليمان للتعبير عن تضامنه معه مشيرا ضمنيا إلى أن قضيتيهما تنتميان لنفس الملف وهو ملف مؤسسة أخبار اليوم والتي لا زالت تشاكس السلطة إلى اليوم، فالسلطة لازالت تحاول خنقها بطرق لا مباشرة عبر الحصار الاستشهاري والضغط التشهيري ومحاولة إضعاف طاقمها التحريري بالاعتقالات المتتالية وترهيب الصحافيين العاملين بها.

Sign In

Reset Your Password