كتاب وفنانون مغاربة ينتفضون ضد القمع والتضييق على الحريات -المعطي منجب

تضامن

نه لمن النادر جدا أن يجتمع هذا العدد الهائل من الروائيين والفنانين والإعلاميين المغاربة ليعلنوا عن موقف موحد وواضح من الوضع الخطير الذي أصبحت عليه الحريات في المغرب، وليدينوا، حسب ما جاء في العريضة التي سموها بيانا تضامنيا، «الأحكام القضائية الجائرة والقاسية في حق معتقلي حراك الريف وجرادة». عبرت العريضة كذلك عن قلق الروائيين والفنانين العميق من «عودة المحاكمات السياسية واستصدار الأحكام والعقوبات القاسية في وجه محتجين وإعلاميين ومواجهة الحركات الاحتجاجية السلمية بالعنف ورفض الحوار». كما يطالب الروائيون والفنانون بالإفراج عن معتقلي الحراك الاجتماعي «بالصيغ القانونية المتاحة، وبما يحفظ كرامة الجميع».
وفي الجملة الأخيرة إشارة لا تخفى أنه لا يجب على الدولة أن تنتظر من معارضين سياسيين ومن نشطاء مدنيين واجتماعيين، معتقلين ظلما وجورا، أن يطلبوا عفوها. وفعلا فإن الصحافة المقربة من بعض مراكز القوة داخل النظام، قد أشارت مرات عديدة منذ صدور الأحكام الاستئنافية ضد قياديي الحراك الريفي، أن الحل هو طلب العفو الملكي، ومن ذلك تهجماتها على أحمد الزفزافي والد ناصر، زعيم حراك الريف، والناطق باسم عائلات المعتقلين لرفضه المهذب لطلب أي عفو، سيفسر حسب رأيه، وكأن المعتقلين قد قاموا بجريمة ما ويلتمسون الصفح عليهم. بالعكس أحمد الزفزافي لا يني يعيد على مسامع الصحافيين والرأي العام قناعته أن المعتقلين هم من خيرة شباب المغرب وأنهم إذا اعتقلوا فلأنهم مواطنون أحرار عبروا بشجاعة عن مواقفهم بالشارع بسلمية و«بطرق حضارية» كما يقول.

ن البيان التضامني الذي وقعه أكثر من مئة وخمسين شخصية تشتغل في ميادين الإبداع والكتابة والفكر قد لقي ترحيبا كبيرا من لدن الصحافة المستقلة. فهل ستتوقف هذه الأخيرة، كما دأبت على ذلك منذ سنوات طويلة، عن انتقاد المثقفين بسبب صمتهم وابتعادهم عن كل ما قد يجلب عليهم عدم رضى السلطات؟ فأغلبهم إما موظفون عند الدولة أو يعملون في الهيئات الإعلامية أو الثقافية والتربوية الممولة من الخزينة العامة، أو هم يبيعون انتاجاتهم الإبداعية أو الثقافية لهاته الأخيرة. والدولة بهذه الطريقة تتحكم في مصدر عيشهم، إذ يمكن في أي وقت، وبطريقة في الغالب ملتوية وغير مباشرة، وقد لا تبدو ظالمة إلا للمتضرر منها، أن تضع حدا لمصدر عيش المثقفين إذا ما ظهر لها «أنهم يأكلون النعمة ويسبون الملة» كما قال الملك الراحل الحسن الثاني في أحد تصريحاته الشهيرة.
وفعلا فالصحافة المستقلة على حق، فكثير من الكتاب الكبار والإعلاميين يكتبون في صحف مقربة من دوائر القرار وينالون لقاء ذلك تعويضات مجزية، تتجاوز بكثير ما تقدمه الصحف الكبرى والغنية في العالم. وبالنسبة للكتاب الأكثر شعبية ومقروئية، لديهم امتياز إضافي وهو التعبير عن أرائهم في مثل هاته الجرائد حتى ولو كان فيها بعض الانتقاد للسياسات العمومية وذلك لخلط الأوراق والتعتيم على الهوية الحقيقية لتلك الجرائد. فالمهم بالنسبة للنظام ليس هو المحتوى الدقيق لما يكتبون وإنما المصداقية التي يمنحونها بتوقيعاتهم وصورهم للصحف المعنية والتي يمارس بعضها التشهير بانتظام بمعارضي النظام ومنتقدي السلطة الحقيقيين.
هذا الوضع، أي السخاء العمومي أو شبه العمومي والمال المغدق بسهولة على كل منتج لخطاب محابي، دفع بعض الباحثين إلى خلق مراكز «للتفكير» أو «الخبرة» تنظم الندوات تلو الندوات، كما تراهم على القنوات الرسمية وعلى شاشات مرئيات الدول الصديقة، يتكلمون في كل شيء وفي لا شيء، يسفهون ويتهمون المحتجين والنشطاء المدنيين والسياسيين المستقلين بأنواع من التهم لا ترد على بال.
وقبل الختام لابد من الإشارة أن العريضة التضامنية للكتاب والفنانين المغاربة سيكون لها تاريخ كما قد يكون لها وقع إيجابي على سياسات النظام الخاصة باحتواء المعارضة وضبطها بالعصا والجزرة.

Sign In

Reset Your Password