قمة كوالالمبور قد تكون بديلة للمؤتمر الإسلامي الذي قامت السعودية بتجميده/د. حسين مجدوبي

الرئيس التركي طيب رجب أردوغان والماليزي مهاتير محمد أبرز مهندسي القمة

احتضنت ماليزيا خلال الأسبوع الماضي «قمة كوالالمبور» لزعماء ينتمون إلى العالم الإسلامي، بغية الرهان على صحوة إسلامية مختلفة عن أصحاب جماعات الإسلام السياسي الكلاسيكي العنيفة، ومختلفة عن كل قمم منظمة التعاون الإسلامي، التي تتحكم فيها العربية السعودية. وهي قمة ليست بالعادية، بل هي بداية منعطف في تفكير الشعوب التي تجمعها رابطة دينية، تعد من المبادرات التي تحتاط منها دول وتجمعات، ومنها الغرب أساسا، لتأثيرها المرتقب. وسبق للمفكر الجيوستراتيجي صامويل هنتنغتون التطرق لمثل هذه المبادرات، والتحذير منها في كتابه الشهير «صراع الحضارات» الصادر في بداية التسعينيات.
وكان هذا المفكر الذي يعتبر لبنة من لبنات التخطيط الجيوسياسي للإدارة العميقة في الولايات المتحدة، التي تضع مخططات على المدى المتوسط والبعيد، بغية ضمان استمرار تفوق الولايات المتحدة وحلفائها في الغرب، قد تحدّث عن صحوات حضارية مختلفة، وإن كان أغلبها يقوم على الإحساس بالفخر بالماضي، بمعنى أن هذه الشعوب ذات الماضي الكبير والعريق ترغب في استعادة دورها التاريخي. وفي هذا الصدد، يأتي تفسير هنتنغتون لما اعتبره صحوات المستقبل ومنها، صحوة الصين والصحوة الإسلامية.

والصحوة الإسلامية هنا تعني وعي الشعوب بوجود رابط ديني سيساهم في التنسيق بينها بشأن السياسيات الاقتصادية والعلاقات الدولية والأمنية، وليس بمفاهيم كلاسيكية مثل نشر الإسلام، وفرض الحجاب، والاعتداء على الحريات الفردية. ومثل العديد من الباحثين الجيوسياسيين، يتم ترشيح الدول الآسيوية الإسلامية وغير العربية، لقيادة هذه الصحوة ومنها، ماليزيا وإندونيسيا وتركيا وباكستان وإيران. وتدرك هذه الدول غياب الإرادة لدى الدول الإسلامية العربية بسبب خضوعها لسياسة الغرب. وفي الوقت ذاته، كانت الدول الآسيوية الكبرى مثل ماليزيا وتركيا وإيران في العمق، ترغب في عدم حضور دول مثل الإمارات العربية والعربية السعودية لدورهما الهدام. ولعل التاريخ يكرر نفسه، فقد كان أول تجمع للدول والحركات الإسلامية في الهند إبان العشرينيات، ورفض وقتها حضور آل سعود الذين كانوا بصدد بناء الدولة السعودية، واعتبرهم أدوات في يد بريطانيا. وها هم آل سعود بعد جعل منظمة التعاون الإسلامي مثل ممثل كومبارس من الدرجة الثالثة في فيلم رديء، يضغطون ويهددون بالمال كلا من باكستان وإندونيسيا بعدم حضور القمة. وهو ما حصل مؤقتا فقط، علما بأن باكستان كانت من مؤيدي القمة، بل ومن روادها في الاجتماع الذي حصل بين كل من رئيس ماليزيا مهاتير محمد ورئيس تركيا الطيب رجب أردوغان، ثم رئيس باكستان في الأمم المتحدة خلال سبتمبر/أيلول الماضي. وفي ذلك اللقاء جرى طرح ضرورة قمة تجمع الدول الإسلامية لمعالجة قضايا منها، اضطهاد المسلمين في العالم، والعقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة عليهم، وتبعيتهم لهذا المعسكر أو ذاك، وكيف التخلص من هيمنة النظام النقدي العالمي، الذي يسيطر عليه الدولار.
موقف السعودية ليس بالغريب، فهي عارضت إنشاء قمة الدول الإسلامية التي دعا إليها رئيس حكومة تركيا نجم الدين أربكان سنة 1997، وشارك فيها وقتها كل من تركيا وماليزيا وإندونيسيا وباكستان وبنغلاديش ونيجيريا ومصر كدولة عربية وحيدة، وكانت ذات أهداف سياسية واقتصادية. ويوجد قلق لدى الغرب، بل حتى روسيا من تحالف ثلاث دول وهي تركيا وباكستان وإيران. وفي دردشة سابقة مع باحث جيوسياسي من الولايات المتحدة حول هذا القلق، قال وقتها «تشكل الدول الثلاث قوة بشرية هائلة، لديها طموحات مستقبلية كبيرة، عكس الدول الإسلامية العربية، هذه الدول الثلاث تتوفر على مستوى كبير في البحث العلمي، يكفي رؤية كم عدد الأطباء وحاملي شهادات الدكتوراه في الرياضيات والفيزياء، وباقي العلوم الدقيقة، يتخرجون في جامعاتهم لفهم المستوى الذي ستصل إليه هذه الدول في حالة التنسيق العلمي والسياسي والاقتصادي بينها». هذا واحد من العناصر التي تقلق صناع الغرب وحراس تقدمه الأبدي، والآن بعد بدء التفكير والتنسيق بين المشاركة في ماليزيا، وفي انتظار انخراط باكستان وإندونيسيا، يعني أن هذه الدول قادرة على التقدم بخطوات كبيرة. ومن ضمن الأمثلة، توجد بين الدول الأوروبية صناعة عسكرية، ومن ثمارها طائرة يوروفايتر، ماذا لو نسقت إيران وباكستان وتركيا في الصناعة العسكرية؟ بدون شك ستقطع خطوات مذهلة، بمعنى أن ما ستحققه دولة واحدة خلال عشرين سنة، قد تحقق الدول الثلاث بدعم من الأخرى في ظرف خمس سنوات فقط.
أما الأمر الثاني المقلق للكثيرين ومنهم الغرب هو، أن مثل هذه المبادرات قائمة على مفاهيم مخالفة للإسلام السياسي الكلاسيكي العنيف، ولا يتعلق الأمر بحركات عنيفة أو بمخطط لنشر الإسلام، بل بمفاهيم تعتقد في رابطة الدين، كما يجري في الغرب، الذي على الرغم من حمله لواء العلمانية، إلا أنه يقوم بشكل ما على المسيحية أيضا، وتكفي رؤية الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب، أو السابقين جورج بوش الأب والابن ورونالد ريغان، كيف يؤمنون بدور المسيحية في السياسية. يقول ترامب إن دعمه لإسرائيل هو أمر رباني، بينما صرح جورج بوش الابن بأن الله أمره بحل النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي، ولا يمكن لرئيس الوصول إلى البيت الأبيض، من دون مغازلة الحركات المسيحية. وهناك فهم خاطئ لدور الدين المسيحي في بناء الغرب، بين نفي من طرف بعض المثقفين المحسوبين على اليسار، أو اللائكية ومثقفين إسلاميين يجعلون من الدين المسيحي مرادفا للغرب، ويختصرون التاريخ في صراع الأديان. لقد كان الدين المسيحي عاملا من عوامل التنسيق بين الغرب، وكان ثقله كبيرا وصغيرا وفق الظروف. والآن قد يلعب الدين الإسلامي، رفقة عوامل أخرى، التنسيق نفسه، كقاسم مشترك وليس عامل قمع مثل تطبيق الشريعة الإسلامية كما يعتقد البعض. ومن ضمن الأمثلة، ترشح قمة ماليزيا تركيا لقيادة التجمع الجديد، وتركيا رغم الطابع الإسلامي لطيب رجب أردوغان فهذا لا يعني منع تركيا الحريات الفردية. وتعد ماليزيا مبادرة ومحتضنة، ورئيسها مهاتير محمد محافظا مسلما، لكن لا يمكن وجود سياسي ديمقراطي مثله في العالم العربي، فتدينه لا يعني القضاء على التعددية السياسية في بلاده. لفهم الثقل الجيوسياسي لقمة كوالالمبور إذا نجحت مستقبلا، نطرح التساؤلات التالية: ماذا سينتج عن التنسيق العلمي في المجال العسكري والصناعي والأدوية، بين دول أصبح لها باع في البحث العلمي؟ كيف سيكون التكامل الاقتصادي بين شعوب لديها من الموارد والمال للاستثمار مثل قطر وأسواق ضخمة للاستهلاك بحكم الثقل البشري؟ كيف سيصبح وزن هذه الدول في المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة؟

Sign In

Reset Your Password