قطر تترقب فرصة القفز إلي ساحة الطاقة الأوروبية بسبب أزمة أوكرانيا والصراع الغربي الروسي

يل تصبح قطر مزود الأول للاتحاد الاوروبي من الغاز الطبيبي بسبب الازمة مع روسيا

– رفع قادة الإتحاد الأوروبي أصواتهم، أعلي فأعلي، أثناء الأزمة الأوكرانية، للإفصاح عن رغبتهم في الحد من استهلاك القارة من الغاز الطبيعي الروسي. وهنا تصبح قطر -أكبر موّرد للغاز الطبيعي المسال في العالم- في وضع جيد لكي تلعب دورا أكثر تأثيرا علي ساحة الطاقة في أوروبا.

من غير المرجح أن تحل قطر محل روسيا كأكبر مزود للغاز الطبيعي في أوروبا، ومع ذلك فيمكنها أن تساعد بشكل كبير في خفض اعتماد الاتحاد الأوروبي على موارد الطاقة الروسية، والحصول في الوقت نفسه على نفوذ أكبر بين الأوساط الدبلوماسية الأوروبية.

وفي نفس الوقت، ربما تذكّر الدوحة روسيا، مجددا، بأن حجم قطر الصغير لا يحول دون تقويها المصالح الاستراتيجية لروسيا.

لحسن حظ الاتحاد الأوروبي، لم تندلع الأزمة في أوكرانيا قبل عدة سنوات. ففي عام 2006، عبرت 80 في المئة من مبيعات الغاز الطبيعي الروسي إلى الاتحاد الأوروبي عن طريق أوكرانيا. ثم تم تخفيض هذه النسبة الى 50 في المئة في عام 2013 (أي بعد عامين من تشغيل خط أنابيب “نورد ستريم” الذي يربط فيبورغ (روسيا) مع ساسنيتز (ألمانيا) عبر بحر البلطيق).

كذلك فقد بدأ الاتحاد الأوروبي وروسيا، في عام 2013، في بناء مشروع “ساوث ستريم”، أي خط أنابيب الغاز الذي يربط روسيا مع بلغاريا عبر البحر الأسود، والذي من شأنه أن يزيد تجارة الطاقة بين الاتحاد الأوروبي وروسيا مع تجاوز أوكرانيا.

لكن العلاقات البالغة التوتر بين الاتحاد الأوروبي وروسيا قد تعرض للخطر مستقبل مشروع “ساوث ستريم” في حين تفاوتت ردود فعل الشركات الأوروبية المشاركة في المشروع. ففي حين وصف الرئيس التنفيذي لشركة “ايني” الايطالية مستقبل المشروع بأنه “قاتم”، ظلت بعض الشركات البلغارية والألمانية متفائلة، شأنها في ذلك شأن الشركاء الروس.

بطبيعة الحال، يواجه كل عضو من أعضاء الاتحاد الأوروبي تحديات جيوسياسية فريدة من نوعها، وبدرجات متفاوتة حسب القرب الجغرافي لبدائل موردي الغاز الطبيعي وممرات توريده. ولذلك تملي المصلحة الوطنية علي كل دولة أوروبية مشاركة في المشروع تفاعلات مختلفة في المستقبل.

وفي غضون ذلك، تقبع الفرص الواعدة على المدى القريب المتاحة لقطر في الاتحاد الأوروبي، في أوروبا الوسطى/الشرقية حيث الاعتماد على الغاز الروسي مرتفع نسبيا والمشاعر المعادية للكرملين منتشرة على نطاق واسع.

فعلى الرغم من أن بولندا تعتمد على روسيا في 60 في المئة من واردات الغاز الطبيعي، تواصل وارسو إتخاذ تدابير جريئة لشراء الغاز من جهات أخرى (بما في ذلك قطر) منذ إندلاع حرب أسعار بين روسيا وأوكرانيا عام 2009، وهي الحرب التي سلطت الضوء على المخاطر الجيوسياسية لإستمرار الاعتماد على الغاز الروسي.

ومن المتوقع أن تبدأ محطة الغاز الطبيعي المسال في “سوينوجسي” في بولندا، في استيراد الغاز القطري في عام 2015.

كذلك، ففي حين تستثمر بلدان أوروبا الشرقية، بما فيها استونيا وليتوانيا، وبكثافة، في البنية التحتية للغاز الطبيعي المسال، أصبح من المرجح أن تكسب قطر فرصا جديدة نظرا ملكية الدوحة لشركة (Qatargas) التي تعد أكبر شركة لشحن الغاز الطبيعي المسال في العالم.

وعلاوة علي هذا، فعلى الرغم من أن قطر ليست سوى جزء صغيرا يمثل مجرد واحد في المئة من حجم روسيا، إلا أن احتياطيات هذه الإمارة الخليجية تبلغ أكثر من نصف إحتياطات روسيا، مما يضعها في المرتبة الثانية للدول المصدرة للغاز في العالم، بعد روسيا نفسها.

ومع ذلك، تدرك قطر أنه لا يمكنها تجاوز روسيا كأكبر بائع للغاز الطبيعي المسال في أوروبا، كما ليس من الواضح ما إذا كان لدي الدوحة مصلحة في الصبو إلي مثل هذا الطموح.

فنظرا لحصتها الضخمة في السوق الإوروبية، تتمكن روسيا من بيع الغاز الطبيعي للأوروبيين بسعر 40-50 في المئة أقل ما يقدمه القطريون، علما بأن ما يقرب من 70 في المئة من صادرات قطر تقصد الصين، والهند، واليابان، وسنغافورة، وكوريا الجنوبية، مما يجعل الاقتصاد القطري الآن أقل اعتمادا على الصادرات المتجهة إلى الاتحاد الأوروبي.

وبالتالي، من المحتمل أن توقع روسيا علي صفقات غاز مع أوروبا بأسعار أقل من أي سعر يعتبره القطريون مقبولا نظرا لفرصهم في الأسواق الآسيوية. كذلك، ففي حين يبدو المسؤولون البولنديون على استعداد لدفع ثمن باهظ لفطم بلادهم من الغاز الروسي، لا تملك حكومات أوروبية الأخرى القدرة أو الحافز للقيام بذلك.

الواقع هو أنه لا يمكن تهديد دور روسيا البارز في سوق الغاز في الاتحاد الأوروبي في المدى القريب. وحتى بولندا – عضو الاتحاد الأوروبي الذي يمكن القول أنه الأكثر تصميما للحد من الإعتماد على الغاز الروسي – لا تزال لديها عقدا مع “غازبروم” حتى عام 2022.

وفي غضون ذلك، فإن إمكانية عودة ألمانيا لتشغيل محطات الطاقة النووية، والتقدم في التكنولوجيا الخضراء، وزيادة إستهلاك الفحم، كل هذا يمكن أن تقلل من استهلاك الاتحاد الأوروبي من الغاز الطبيعي.

وعلاوة على هذا، فإن الاستثمارات المكلفة في البنية التحتية للغاز الطبيعي المسال، التي ستضطر الحكومات الأوروبية التي تعاني من ضائقة مالية إلي تخصيصها لتأمين واردات الغاز الطبيعي المسال من قطر، سوف تحد من قدرة الدوحة على حشر نفسها بين الاتحاد الأوروبي وروسيا.

الواقع أنه إذا فطمت قطر تدريجيا الاتحاد الأوروبي بعيدا عن الغاز الطبيعي الروسي، فسيعاني الاقتصاد الروسي عندئذ. وعلى المدى الأطول، إذا إستطاعت قطر تمكين الاتحاد الأوروبي من تنويع مصادره تدريجيا من الغاز الطبيعي، فسوف يفقد الكرملين يفقد قدرا من النفوذ على بروكسل (المفوضية الأوروبية) على طاولة المفاوضات.

وهنا قد تعود الدوحة لتذّكر روسيا أن حجم قطر الصغير لا يمكن أن يمنعه من تقويض مصالح روسيا الاستراتيجية.

لقد برهنت قطر -من خلال استضافة القيادة المركزية للولايات المتحدة ورعاية الثورات ضد الأنظمة الموالية لموسكو في ليبيا وسوريا- علي قدرتها على التحقق من جدول أعمال روسيا في العالم العربي.

وهنا يفرض السؤال نفسه عما إذا كانت أوروبا سوف تفضل الغاز الطبيعي القطري على بدائل أخرى للغاز الروسي، وعما إذا الدوحة ستستثمر في شراكة أقوى في مجال الطاقة مع الاتحاد الأوروبي.

وخلاصة، فنظرا للحوافز المختلفة لدي كل من روسيا وقطر فيما يتعلق ببيع الغاز الطبيعي إلى أوروبا، والفرق من حيث البنية التحتية للطاقة التي تربط بين البلدين والاتحاد الأوروبي، من غير المرجح أن تحدث قطر من تأثيرا كبيرا، في الأجل القريب، في اعتماد الاتحاد الأوروبي على الغاز الروسي.

ومع ذلك، فقد يتيح فتور علاقات روسيا مع الغرب فرصة استراتيجية لقطر، لكسب النفوذ في أوروبا في السنوات المقبلة.

مقالات ذات صلة

Sign In

Reset Your Password