على ضوء ما يجري في السعودية: ماذا لو كان يتم انتخاب الملوك ؟ د. حسين مجدوبي

ماذا لو كان الملوك ينتخبون؟ سؤال يبدو ضد المنطق السياسي المتعارف عليه في التقاليد والأعراف والقوانين التي بموجبها يتم تسيير الأنظمة الملكية قديما وفي الوقت الراهن، ويقوم الأساس على مبدأ الوراثة باستثناء حالات معينة. لكن هذا النوع من الأسئلة يحضر في فترات زمنية معينة خلال الأزمات، مثلما يحدث الآن مع الملكية السعودية، حيث يعرّض الملك سلمان وابنه ولي العهد محمد البلاد برمتها إلى خطر بسبب جريمة مقتل الصحافي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول يوم 2 أكتوبر/تشرين الثاني الماضي. وتميزت الأنظمة الحاكمة في العالم القديم، وحتى القرن التاسع عشر بغلبة الأنظمة الملكية والإمبراطورية، ولكن نسبة هذه الأنظمة تراجعت بشكل كبير خلال القرن العشرين. وبدأت الدول تراهن على النظام الجمهوري، الذي يبقى أرقى فكر وممارسة أنتجتهما البشرية في وقتنا الراهن. وتعد القارة الأمريكية حالة رائعة في هذا الشأن، بسبب عدم وجود أي نظام ملكي في الوقت الراهن، باستثناء العلاقة المحدودة التي تربط كندا بالعرش البريطاني. والرهان على الأنظمة الجمهورية يعود الى أسباب متعددة، على رأسها مبدأ محاسبة من يتولى تسيير الشأن العام للبلاد، وثانيا يعود إلى مبدأ التداول على السلطة، بشكل يساهم في تجدد النخب السياسية بشكل دوري وأسرع بكثير من النخب في الدول الملكية، خاصة إذا كانت أنظمة ملكية غير ديمقراطية، إذ كلما طالت فترة حكم الملك في العرش طالت فترة مستشاريه ليتحولوا إلى ملوك في الظل يتوفرون على سلط تفوق سلط رئيس الحكومة. وتطور الوعي السياسي للشعوب سيقود حتما في المستقبل إلى مزيد من اختفاء الأنظمة الملكية، سواء عبر العنف كما وقع في العالم العربي في العراق ومصر وليبيا، أو عبر حلول سلمية من خلال صناديق الاقتراع بالتصويت على بقاء الملكية من عدمها، وهذا قد يقع في إسبانيا مثلا في السنوات المقبلة. وإذا تركنا العالم العربي جانبا، تعيش الأنظمة الملكية في أوروبا تطورا من أجل البقاء، فلم تعد تتحمل مسؤولية القرارات الكبرى، بل أصبحت من اختصاص حكومة منتخبة مسؤولة أمام الشعب، ونعني هنا الملكية البرلمانية. كما قلصت هذه الملكيات من نفقاتها وتصل الى ميزانيات محدودة جدا، مثل حالة ميزانية الملكية الإسبانية وهي قرابة تسعة ملايين يورو، لا يمكن مقارنتها مثلا مع الملكية في المغرب بـ270 مليون يورو، وتبقى بسنوات ضوئية عن ميزانيات الملكيات في الخليج وعلى رأسها السعودية. في الوقت ذاته، يسيطر وعي جديد على بعض الملوك وينسحبون في الوقت المناسب، كما فعل ملك إسبانيا خوان كارلوس، الذي بعدما بدأت الشبهات تتحدث عن تورطه في قضايا فساد مالية وفضائح جنسية، انسحب ليترك العرش لابنه ويجنب الملكية النهاية، لاسيما في ظل وجود نسبة مهمة من الشعب الإسباني يرغب في الجمهورية. وبمناسبة ما يجري في السعودية بعد تورط ولي العهد محمد بن سلمان في الجريمة، وعجز الملك سلمان عن اتخاذ قرار جذري، يعود الحديث عن كيفية إصلاح الأنظمة الملكية، خاصة عندما يصبح تأثير قرار اتخذه ملك أو ولي للعهد يهدد مستقبل الوطن برمته، وليس فقط النظام الملكي. وهذا ما يحدث مع قضية خاشقجي، فمن كان يصدق حتى نهاية الصيف الجاري بتحول العربية السعودية ذات النفوذ القوي دوليا، إلى دولة منبوذة في العالم. فالسعودية الآن في مأزق تاريخي، فقد هيمن محمد بن سلمان على آليات البيعة ودواليب أجهزة الدولة، وعمليا، أصبح من الصعب تغييره بطرق سلمية، في ظل إصراره على البقاء في ولاية العهد والرغبة في توليه عرش البلاد بعد أبيه. على ضوء ما يجري في قضية خاشقجي، أصبحت الأنظمة العربية الملكية مطالبة بضرورة الإصلاح الداخلي، من أجل البقاء وعدم خذلان شعوبها. لقد استحضر عدد من المحللين والمؤرخين مع قضية خاشقجي، احتمال عودة الربيع العربي، وسيمس هذه المرة الأنظمة الملكية وربما ستكون البداية مع السعودية. ويجب رؤية الربيع العربي من زاوية أنه دينامية تغيير ممتدة زمنيا، ولم يقتصر فقط على سنتي 2011-2013، رغم الدور السلبي الذي لعبته بعض الأنظمة الملكية في ثورة مضادة للتغيير نحو الديمقراطية، بتمويل حركات ممتدة وإعلام مشكك في كل ما هو تطور ديمقراطي. نعم يصل الربيع العربي الى أنظمة ملكية في العالم العربي الآن، أصبحت محط تساؤل شعوبها بعدما فشلت مشاريع هذه الملكيات في الرقي بشعوبها. ولنتوقف مع السعودية، فهذا البلد يشهد ربيعا عربيا مرشحا للانتقال الى وضع سياسي أحسن، رغم حالة الغموض الحالية. فأمام فشل مشاريع بن سلمان، ومهما بلغ عناده في تشبثه بالسلطة، سيقدم تنازلات داخلية (إذا ما استمر) بعد التنازلات الخارجية التي يقدمها الى الغرب وخاصة الولايات المتحدة. ولنعد الى السؤال الذي طرحناه في البدء: ماذا لو كان الملوك ينتخبون ووفق برنامج سياسي ويعزلون في حالة فشلهم؟ لو كانت آليات ديمقراطية وسط آل سعود لما وصلت البلاد الى ما وصلت إليه، منبوذة دوليا ومهددة في مستقبلها بسبب طيش ولي عهدها، الذي يعرض مستقبل الوطن للعقوبات. ولكان وضع الدول العربية ذات الأنظمة الملكية أفضل. تاريخ السعودية، رغم غياب الديمقراطية، يقدم حالة عزل الملك، ويتعلق الأمر بعزل الملك سعود في نوفمبر/تشرين الثاني 1964 بسبب طيشه وعجزه ومبايعة فيصل مكانه. حدث هذا عندما كان علماء الدين علماء، وليسوا مثل أغلبية علماء الوقت الراهن الذين يحشدون التأييد للملوك والأمراء عبر الفيسبوك وتويتر. الملكية هي نوع من العبودية اللينة الموروثة عن القرون الماضية، وحتما التطور الفكري للبشرية سيقود الى أنظمة جمهورية متطورة، إذ لا يمكن للحاكم أن يبقى في معزل عن محاسبة وتقييم التسيير والتداول في السلطة وكأن الشعوب قطيع يساق إلى الأبد.

Sign In

Reset Your Password