عفوا، قمة بولونيا لن تؤدي الى حرب ضد إيران/ حسين مجدوبي

قطع بحرية حربية أمريكية

تستعد الولايات المتحدة الى تنظيم مؤتمر دولي في بولونيا حول إيران خلال الشهر المقبل، حيث ستجمع عدد من الدول ومنها العربية وبينها المغرب لبناء تحالف دولي في مواجهة هذا البلد. وبدأ البعض في اعتبار هذا المؤتمر مقدمة لحرب مستقبلا ضد إيران. لكن معطيات الواقع الغائبة عن الكثيرين هو استحالة وقوع هجوم أمريكي أو إسرائيلي على إيران علاوة على استحالة حسم واشنطن لوحدها الملف الإيراني.

ومنذ بدء الحديث عن الملف النووي الإيراني بداية العقد الماضي وبعد الحرب الأمريكية على العراق، بدأ الكثير من الخبراء يتحدثون عن حرب وشيكة على إيران. وعمليا، تصدر خبر الحرب عدد من صفحات الجرائد الدولية الكبرى وبرامج التلفزيون، وقد يصلح هذا الإنتاج الإعلامي الوفير مادة لدراسة القصور في التكهن بوقوع أحداث ينتظرها الكثيرون من مدارس إعلامية ومراكز تفكير استراتيجي.

وهكذا، يعني مصطلح وشيك عمل على سيقع على “القصير المدى” لكن مع مرور الوقت اتخذ مفهوم “الحرب وشيكة  على إيران” مفهوما آخر وهو الى “أجل غير مسمى”. وتغيب عن الكثير من الباحثين معطيات جوهرية تجعل الحرب الأمريكية ضد نظام طهران مستبعدة للغاية ونلخص البعض منها:

-اعتادت الولايات المتحدة قبل شن أي حرب الاعداد المسبق والكبير لها سياسيا ولوجيستيا. ونستحضر هنا الحرب الأمريكية ضد العراق سواء الأولى أو الثانية، حيث مهدت لها سياسيا عبر استصدار قرارات من الأمم المتحدة. وفي الوقت ذاته، حشدت قوات عسكرية هائلة في الشرق الأوسط وإقناع دول ثالثة بالمشاركة في الحرب. وهذا المعطى يغيب في الوقت الراهن، بل نجد العكس وهو رغبة جزء هام من الجيش وكذلك الإدارة الأمريكية سحب القوات من مناطق متعددة من العالم والتخلي عن لعب دور دركي العالم. وهنا يجب فهم قرار واشنطن الانسحاب من سوريا خاصة وأن هذا البلد لم يكن في يوم ما موضع قدم للقوات الأمريكية مثل العراق أو دول الخليج الأخرى. وفي الحالة الإيرانية، لا تعمد الولايات المتحدة الى حشد الغرب ضد طهران بل أصبح الغرب منقسما على نفسه، فلا أحد من الدول الكبرى مثل فرنسا وألمانيا وبريطانيا يتقاسم مع الإدارة الأمريكية الحالية الانسحاب من الاتفاق النووي المتعدد الأطراف فبالأحرى تأييدها في حرب على خلفية الرفض لهذا الاتفاق.

-ومن ضمن ما كانت واشنطن تغري به الدول للانضمام الى سياستها وخاصة تأسيس حلف ضد العراق هو الاستفادة من التبادل التجاري في إطار العولمة، لكن ما يحصل الآن وهو تحول التجارة التي كانت عامل إغراء في يد واشنطن الى عامل مضاد بعدما بدأت الولايات المتحدة تنهج السياسة الحمائية مع الرئيس دونالد ترامب. وعليه، بماذا ستغري واشنطن باقي الدول للانضمام إليها في حرب يدرك حلفاءها في أوروبا خاصة أنها ستؤدي الى ارتفاع خيالي لأسعار النفط في السوق العالمية، مما سيتجرم بأزمة اقتصادية من الصعب تحملها بعد أزمة 2008.

نعم، لا أحد يجادل في القوة العسكرية الأمريكية، هي الأقوى وإن لم تعد الحاسمة كما كان عليه الشأن في الماضي. وإطلالة على الحروب التي خاضتها الولايات المتحدة خلال العقود الأخيرة ستلقي الضوء على حقيقة ساطعة وهي تفادي واشنطن الدخول في حرب مع أي قوة إقليمية قد تكبدها خسائر وإن انتصرت  (واشنطن) في آخر المطاف. فقد خاضت حروبا ضد دول ضعيفة التسليح وهشة ومنها العراق. الولايات المتحدة قادرة على هزم إيران، ولكن الأخيرة بدورها قادرة على توجيه ضربات موجعة للجيش الأمريكي، مما سيجعله يفقد أكثر من 15% من قوته العسكرية، ولن يغامر البنتاغون بالدخول في أي حرب من هذا النوع في وقت تقوم الصين وروسيا بتقليص الهوة في التسلح والحد من الهيمنة الأمريكية.

وارتباطا بهذه النقطة، فقد منحت إيران للولايات المتحدة فرصا لمهاجمتها بعدما قامت زوارق إيرانية باعتراض واستفزاز سفن حربية أمريكية في الخليج العربي، وارتأى البنتاغون تجنب الرد لتفادي تفاقم الأوضاع وخروجها عن السيطرة.

وفي معطى آخر، تدرك الولايات المتحدة صعوبة قضاء أي هجوم على البرنامج النووي الإيراني المحصن جدا ضد الضربات الجوية مهما كانت القوة التدميرية للقنابل باستثناء استعمال الأسلحة النووية. ويتطلب القضاء على هذا البرنامج غزوا بريا، وسيكون مكلفا على شاكلة الحرب العالمية الثانية، وهذا لن يقبله الرأي العام الأمريكي لاسيما وأن إيران لا تشكل خطرا على الأمن القومي الأمريكي بل الصين وروسيا كما يقول أعضاء في الإستبلشمنت الأمريكي بالتعايش مع إيران كقوة نووية.

لقد كان أمام الولايات المتحدة فرصة عسكرية وحيدة لضرب إيران وهي بعد الحرب ضد العراق سنة 2003 عندما كان الشرق الأوسط يعج بالقوات العسكرية الأمريكية. وقتها  كاد الرئيس الجمهوري السابق جورج بوش الإبن شن حرب ما بين سنتي 2005 و2006 ولكنه وجد معارضة شديدة من طرف الإستبلشمنت العسكري، أما الآن ومع تقدم منظومة الدفاع  والهجوم الصاروخي لإيران والتقنية العسكرية التي حصلت عليها من الصين وروسيا، تبقى الحرب مستبعدة.

وسيتساءل الكثيرون عن دور إسرائيل في شن حرب ضد إيران، في جملة مختصرة، لم تعد سيدة الشرق الأوسط،  فقد أصبحت عاجزة كل العجز في ملف الحسم العسكري في المنطقة.

Sign In

Reset Your Password