عبد الباري عطوان: تحديات تواجه ملك السعودية الجديد سلمان داخلية وخارجية ومنها انهيار اليمن

عبد الباري عطوان

وفاة العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز تكون المملكة العربية السعودية خسرت قائدا “اصلاحيا” اراد ان ينقلها، وبشكل تدريجي، الى مرحلة جديدة من الحداثة من خلال تغييرات اجتماعية وسياسية واقتصادية، ولكن تقدمه في السن وتدهور حالته الصحية، ومعارضة المؤسسة الدينية القوية، وانفجار الثورات في الوطن العربي، وتصاعد قوة التيارات الاسلامية المتشددة وخطرها المزدوج الداخلي والخارجي على الاسرة السعودية الحاكمة، حيث “الدولة الاسلامية” في الشمال والقاعدة في الجنوب، جعل من هذه المهمة صعبة ان لم تكن مستحيلة.

الذين عرفوا العاهل السعودي الراحل، وتعاملوا معه، اجمعوا على طيبته، وبدويته، وعروبته، وبديهيته، وقدرته على اتخاذ القرار، مثلما اجمعوا على محاربته للفساد المتجذر في المملكة، خاصة في ميدان صفقات الاسلحة وعمولاتها التي تزكم الانوف، حتى انه الغى صفقة طائرات “يورو فايتر” المتقدمة لانه جاء من يهمس في اذنه بأن نسبة العمولات فاقت الثلاثين في المئة.

الملك عبد الله حاول ان يواجه “هوامير” الفساد في اوساط الاسرة وخارجها، فاعداد الامراء يتضاعف بشكل متسارع، وشره بعضهم للمال من خلال الانتقال لعالم التجارة والبزنس لا يحتاج الى شرح، ولكن جهوده، او بعضها، حقق بعض النتائج الايجابية.

العاهل السعودي الراحل كسر العديد من المحرمات في المملكة عندما انشأ جامعة مختلطة للعلوم والتكنولوجيا تحمل اسمه، اصبحت الطالبات تجلسن جنبا الى جنب مع الطلاب في مقاعد الدراسة والمعامل والمختبرات، وارسل عشرات الآلاف من المبتعثين من الجنسين للدراسة في الخارج، كما يعود له الفضل في ادخال المرأة الى مجلس الشورى، وذهب خطوة ابعد عندما تبنى حوار المذاهب، ومن بعده حوار الاديان، واطلق مبادرة السلام العربية، لكن اصلاحاته ظلت مقتصرة على جوانب اجتماعية واقتصادية، ولم تتطرق للجوانب السياسية الا بشكل طفيف جدا.

 ***

 من الطبيعي ان يختلف الكثيرون، ونحن منهم، حول بعض هذه الخطوات والاصلاحات، خاصة عندما يتعلق الامر بمبادرة السلام العربية، السعودية الاصل في طبعتها الاولى، لانها قدمت تنازلات كبيرة للاسرائيليين ودون ان تحقق اي نتائج فعلية، وقد برر احد المسؤولين الكبار هذه المبادرة بأنها كانت تهدف لامتصاص الغضب الامريكي تجاه المملكة بسبب مشاركة 15 سعوديا في هجمات الحادي عشر من ايلول (سبتمبر) عام 2001، ولكن امتصاص الغضب شيء والثوابت العربية والاسلامية شيء آخر يرتقي الى درجة القداسة.

العاهل السعودي الجديد الملك سلمان بن عبد العزيز الذي قضى السنوات الخمس الاخيرة مراقبا وصامتا حتى لا يقدم على اي خطوة يمكن ان تحول دون توليه العرش، بدأ، ومنذ اللحظة الاولى، وضع بصماته بوضوح على خريطة الحكم، بتصفية ارث العاهل السعودي الراحل جزئيا في المرحلة الاولى على الاقل من خلال اطاحته بالسيد خالد التويجري مدير الديوان الملكي، والسكرتير الخاص للعاهل الراحل وكاتم اسراره، واصدار مرسوم ملكي بتعيين الامير محمد بن نايف وزير الداخلية والرجل القوي في المملكة وليا لولي العهد، وابنه الامير محمد بن سلمان وزيرا للدفاع علاوة على رئاسة مكتبه، اي مكتب الملك الجديد، الامر الذي قطع الطريق على الامير متعب بن عبد الله نجل العاهل السعودي الراحل، الذي اخترع منصب ولي ولي العهد وفصله على مقاسه على امل توليه لاحقا.

الملك سلمان وبمثل هذه المراسيم الملكية السريعة حقق امرين على درجة كبيرة من الاهمية يحددان ملامح عهده الجديد:

  • الاول: اعادة الجناح السديري في الاسرة الى الواجهة مجددا، وبقوة، من خلال تثبيت وتعيين ابرز اثنين من جيل “الشباب” فيه، اي الاميرين محمد بن نايف، ومحمد بن سلمان في اقوى منصبين واهم وزارتين في الدولة، اي وزارتي الدفاع والداخلية، علاوة على تولي الاول منصب ولاية العهد الذي يضعه على بعد درجتين من العرش.

  • الثاني، تعزيز وتسهيل وبدء نقل السلطة الى الجيل الثاني من الامراء او احفاد الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود وبطريقة انتقائية تركز على الولاء والكفاءة، حسب مواصفاته.

من الطبيعي ان تثير هذه القرارات السريعة والمفاجئة اعجاب البعض وغضب البعض الآخر من الامراء داخل الاسرة المالكة، سواء الكبار المخضرمين منهم الذين يشعرون انه جرى تهميشهم مثل نواف، ومشعل، وطلال بن عبد العزيز، وكذلك من امراء الجيل الثاني الاكثر شبابا الطامعين في الحصول على نصيب من كعكة الحكم مثل ابناء الملك فيصل (سعود، خالد، تركي)، وابناء الامير سلطان (بندر، خالد)، وابناء الامير طلال (الوليد، تركي، خالد)، وابناء الملك فهد (محمد، عبد العزبز)، وابناء الملك الراحل عبد الله (متعب، مشعل، عبد العزيز)، والقائمة تطول.

وربما من السابق لاوانه اطلاق اي احكام او تكهنات في هذا المضمار، فالعاهل السعودي الجديد تولى العرش قبل يوم واحد، ولا بد ان تعيينات قادمة لهؤلاء الامراء، او بعضهم، لامتصاص الغضب وتحقيق نوع ما من التوازن داخل الاسرة، ولكن من الواضح ان الملك سلمان اعد العدة جيدا، وحدد اركان حكمه قبل فترة طويلة، ومنذ اشتداد المرض على العاهل السعودي.

النظام الاساسي للحكم في المملكة يعطي الملك صلاحية عزل او تعيين ولي العهد، وهذا ما يفسر اصدار الملك الجديد مرسوما بتعيين الامير مقرن بن عبد العزيز اصغر ابناء الملك المؤسس (69 عاما) وليا للعهد قاطعا الطريق على توقعات كثيرة داخل المملكة وخارجها حول وجود خلاف تجاه هذه النقطة، مثلما اراد ان يؤكد ايضا احترامه لبعض قرارات ومراسيم العاهل السعودي الراحل في هذا الخصوص، وعلى رأسها تعيين الامير مقرن وليا للعهد في حال شغور المنصب، وربما اراد العاهل السعودي الجديد بهذه الخطوة، اي تعيين الامير مقرن والامير محمد بن نايف وليا لولي العهد، قطع الطريق على تكهنات تحدثت عن وجود “اتفاق” باعطاء المنصب الاخير للامير متعب بن عبد الله النجل الاكبر للعاهل الراحل، وما زال من غير المعروف رد الامير متعب على هذا الابعاد، ومن غير المعروف ايضا مكان تواجد السيد خالد التويجري حليفه السابق بعد قرار ابعاده.

السؤال الذي يطرح نفسه بقوة يظل حول السياسات الداخلية والخارجية التي سيتبعها العاهل السعودي الجديد الملك سلمان في المرحلة المقبلة؟

 ***

 تعزيز الثقة بالامير محمد بن نايف من قبل العاهل الجديد يؤكد ان سياسة القبضة الامنية الحديدية في التعاطي مع الاسلام المتشدد ستستمر وربما تتصاعد، وكل مل قيل عن قرب الملك سلمان من التيار الاسلامي مبالغ فيه، واذا وجد هذا التقارب، وهو موجود فعلا، فإنه مع المؤسسة الدينية الرسمية وليس مع الدعاة ورجال الدين الشبان.

التحدي الداخلي الاكبر الذي يواجهه الملك الجديد يتمثل في انخفاض دخل المملكة بمقدار النصف بسبب انخفاض اسعار النفط (حوالي 200 مليار دولار) نتيجة رفض المملكة تخفيض الانتاج داخل منظمة اوبك، وارتفاع البطالة في اوساط الشباب 30 بالمئة، وميل الكثير منهم الى التشدد الاسلامي والاقتراب من فكر “الدولة الاسلامية” السلفي وايديولوجية تنظيم “القاعدة”.

اما على صعيد السياسة الخارجية فإن الملك الجديد يجد نفسه دون حلفاء في اليمن بعد ان خسر حزب الاصلاح، وتصاعد هيمنة اعدائه الحوثيين الشيعة على مقدرات البلاد، مضافا الى ذلك فشل سياسات بلاده في تغيير النظام في سورية من خلال تسليح المعارضة السورية ودعمها.

لا نستغرب ان يقدم الملك سلمان على تغيير سياسة بلاده في سورية وبدء انسحابها التدريجي، لانه لا يوجد لديه مشكلة شخصية مع الرئيس الاسد على غرار شقيقه الراحل، الذي لم يغفر للرئيس السوري استخدام وصف “اشباه الرجال” في اشارته الى الزعماء العرب في مؤتمر للقمة العربية في شرم الشيخ، ولا نعتقد ان الملك السعودي الجديد سيغير من نهج بلاده الذي يعتبر ايران العدو الاكبر.

ولعل التغيير الاكثر وضوحا من المتوقع ان يكون في الملف الخليجي، والخلافات مع دول الجوار وخاصة دولة قطر، وتطوير العلاقات مع مصر حيث كان الامير (الملك) سلمان مسؤولا عن الملف المصري وادارته في بلاده.

السعودية تقف حاليا على اعتاب مرحلة انتقالية جديدة مختلفة كليا، قد تشهد تغييرات كبيرة داخليا وخارجيا، في المرحلة المقبلة، تضع حدا لحالة التردد التي سادت دائرة اتخاذ القرار فيها طوال السنوات الاربعة الماضية على الاقل بسبب مرض العاهل السعودي الراحل.

مقالات ذات صلة

Sign In

Reset Your Password