صقور واشنطن لا تجد مبررا مقنعا للحرب ضد إيران/ د. حسين مجدوبي

الرئيس الأمريكي ترامب ووراءه أكبر صقور البيت الأبيض وزير الخارجية بومبيو ومستشار الأمن القومي بولتون

نشرت مجلة «فورين بوليسي» نهاية يونيو/حزيران 2018 تحقيقا حول الانعكاسات السلبية لحرب أمريكية ضد إيران، ومنها احتمال عدم الفوز. واستندت إلى تقرير لوزارة الدفاع (البنتاغون) عندما كان جون ماتيس وزيرا للدفاع قبل تقديم استقالته، ومن أبرز خلاصات التقارير هو الوضع غير المناسب عقائديا وتجهيزا عسكريا للقوات الأمريكية، لكي تخوض حربا مع قوة إقليمية مثل إيران. ومن أبرز العراقيل التي يواجهها الجيش الأمريكي هو غياب التحفيز والمبرر عكس الحروب الأخرى.
والمثير في إدارة الرئيس ترامب هو استقالة أغلب المسؤولين العسكريين، وأبرزهم جون ماتيس وزير الدفاع، الذي تولى مناصب قيادية في قوات المارينز الأمريكي، حيث لم يتقاسموا الكثير من الأفكار، وأهمها طريقة تعاطي ترامب مع حلفاء تاريخيين مثل الأوروبيين، بعدما ضغط عليهم للرفع من المساهمات المالية في الحلف الأطلسي، ثم محاولة المدنيين أمثال صهره كوشنر ومستشار الأمن القومي جون بولتون، التأثير في القرارات العسكرية ومنها حالة إيران.
هذا الوضع الجديد يبرز تغييرا في المعطى العسكري في الولايات المتحدة، فمن جهة، تحول المدنيون الى صقور عسكرية يفكرون بطريقة الحرب الباردة، بينما يرغب العسكريون في تجنب الحرب، والتقليل من لعب الولايات المتحدة دور شرطي العالم في كل الملفات، والاكتفاء بالتدخل وفق معايير دولية، وباتفاق مع الشركاء التاريخيين في أوروبا، أي التحرك كمنظومة غربية موحدة. وفي مقالات سابقة، عالجت مخاطر المواجهة العسكرية وعدم ضمان الولايات المتحدة الانتصار السهل في مواجهة إيران، لاسيما في ظل صعوبة الحسم في سيناريو الحرب، حيث يوجد طرفان، الأول وهو الأقلية في الجيش، ويستهين بقدرات إيران ويتماهى مع صقور البيت الأبيض، وعلى رأسهم مستشار الأمن القومي جون بولتون، حيث يتحدثون عن حرب خاطفة، مبررين ذلك بالتفوق العسكري التكنولوجي. بينما يؤكد الطرف الثاني على مخاطر رئيسية في مواجهة إيران، ويبرز أن ذكاء الإيرانيين بدأ يحد من حرية الأسطول الخامس في الخليج العربي، إذ أن توفر إيران على آلاف الزوارق الحربية الصغيرة، قادرة على خلق مشاكل لم تشهدها البحرية الأمريكية في تاريخها، بسبب صعوبة مواجهة هذه الزوارق، ويكفي أنه في ظل التوتر الحالي، فضلت حاملة الطائرات أبراهام لنكولن البقاء في بحر العرب، وعدم الدخول الى قاعدتها في البحرين. وفي حالة الحرب، يصر هذا الطرف على خوض الحرب من مسافة بعيدة، أي الاكتفاء بالصواريخ والقصف الجوي، بسبب صعوبة غزو إيران بالأشكال التقليدية ومنها، الإنزال البري. في الوقت ذاته، يحذر من أن حربا ضد إيران ستحرك كل الحركات المسلحة الدائرة في فلكها من حوثيين وحزب الله والحشد الشعبي في العراق، بل حتى حماس للمشاركة في الاقتتال، ليصبح الشرق الأوسط ساحة مفتوحة مثل أوروبا خلال الحرب العالمية الأولى والثانية.

لكن الإشكال الكبير هو غياب المبرر العقائدي للجيش الأمريكي لمواجهة إيران. ومن خلال التاريخ العسكري الأمريكي، خاصة الفكري منه، أو العقيدة العسكرية، أي المبررات التي يعتمدها لخوض الحروب، فقد شارك الجيش الأمريكي في الحرب العالمية الأولى للدفاع عن من كان يسميهم «أفراد العائلة»، أي الفرنسيين والبريطانيين. وتكرر المبرر نفسه وبقوة هذه المرة في الحرب العالمية الثانية لمواجهة النازية. وخلال الحرب الباردة، تخصصت طبقة من السياسيين والمفكرين والإعلاميين، في تبرير الإنفاق الكبير لمواجهة المد الشيوعي، حيث حملت الولايات المتحدة قبعة الانتصار للحريات، والنظام الليبرالي أمام مخاطر الشيوعية. وكان المواطن الأمريكي يؤمن إيمانا خالصا بهذه العقيدة الأمريكية. وتكرر السيناريو نفسه في الحرب ضد كوريا في الخمسينيات ثم فيتنام في الستينيات والسبعينيات، لكن في تلك الحقبة ستظهر لأول مرة حركة منظمة معارضة للحرب تجلت اجتماعيا وفكريا في «الهيبي».
خلال الحرب الأمريكية ضد العراق، انخرط الشعب الأمريكي في دعم الحرب بسبب الشعور القومي القوي وقتها بالانتصار على الاتحاد السوفييتي، وهو ما يجرمه فكريا كتاب «نهاية التاريخ» للمفكر فرانسيس فوكوياما. وبالتالي، اقتنع  الجميع بضرورة عدم ترك الرئيس العراقي، وقتها صدام حسين، يعرقل النظام العالمي الجديد، بعدما قام بغزو الكويت وهدد بعودة شريعة الغاب «القوي يأكل الضعيف». وفي الحرب ضد أفغانستان والعراق سنتي 2001 و2003، حركت المشاعر القومية المواطن الأمريكي لتبرير الحرب بعدما رأى كيف استهدف الإرهاب بلاده في عقر دارها، تفجيرات 11 سبتمبر/أيلول الإرهابية، لكن الحرب ضد العراق تعتبر منعطفا بحكم اكتشاف الرأي العام الأمريكي أنه كان ضحية مخطط المحافظين الجدد الذين أرادوا تشكيل خريطة البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط، بينما ما كان ما يصطلح عليه «أسلحة الدمار الشامل» سوى مبرر غير واقعي. وكانت هذه المبررات كافية لإقناع المواطن الأمريكي بقبول تخصيص الدول ميزانيات ضخمة للحرب، على حساب القطاعات الاجتماعية، ثم كانت كافية لتحميس الشباب الأمريكي للانخراط في الجيش للدفاع عن أمن البلاد.
ولا يوجد الآن مبرر لحرب ضد إيران، فقد تعايشت الولايات المتحدة مع إيران طيلة الأربعين سنة الأخيرة، ووقعت بينهما مواجهات، ولكن بطريقة غير مباشرة، ويوجد تيار وسط الدولة العميقة الأمريكية يدافع عن فرضية التعايش مع إيران نووية، كما يتم التعايش الآن مع باكستان نووية. وعليه، فما هو المبرر العقائدي الآن لخوض الحرب ضد إيران؟ لأول مرة، لا تجد واشنطن مبررا مقنعا من حيث العقيدة العسكرية سوى عبارة فضفاضة وهي: تهديد إيران للمصالح الأمريكية.

Sign In

Reset Your Password