شركة هواوي وجريدة «سبوتنيك» عناوين تراجع ريادة الغرب

شركة الاتصالات هواوي

يعيش العالم مواجهة بين الغرب وروسيا والصين، وهي مواجهة تقود إلى تشكل خريطة جيوسياسية جديدة تشمل السياسي والعسكري والاقتصادي والمعرفي. ومن ضمن عناوين الصراع حاليا الحرب الغربية ضد تكنولوجيا الصين وروسيا، وتتلخص أو تأخذ رمزيتها في شركة الاتصالات هواوي والمنبر الإعلامي الرقمي سبوتنيك.
خلال الأسابيع الأخيرة، شن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هجوما قويا على شركة هواوي الصينية للاتصالات، واتهمها بسرقة التقنية من الغرب، كما اتهمها بالتجسس على الدول الغربية، من خلال برامج في هواتفها التي تكاد تصبح الأكثر مبيعا في العالم، وكذلك من خلال تشييد البنيات التحتية للاتصالات ومنها الجيل الخامس.
ويعود هجوم الغرب على هذه الشركة إلى المستوى الرفيع الذي وصلته الصناعة الصينية في مجال تكنولوجيا الاتصالات، خاصة الجيل الخامس. وبدأ خبراء الغرب يعترفون بتفوق الصين على الولايات المتحدة في هذا المجال وتقدمها بحوالي ثلاث سنوات، وقد تتسع الهوة بين الطرفين مستقبلا. بينما دول أخرى مثل فرنسا وألمانيا وبريطانيا فهي على بعد قرابة عقد من الزمان وراء الصناعة الصينية. وهذا التقدم هو الذي جعل الصين تفوز بمختلف العروض لإنشاء بنيات جديدة للاتصالات، ومنها الجيل الخامس في أوروبا. ما جعل دولا مثل الولايات المتحدة ونيوزيلندا وأستراليا، وحتى اليابان، تعلن حظر مشاركة شركة هواوي في تشييد البنيات التحتية للاتصالات الخاصة بالجيل الخامس، وهناك تردد في فرنسا وبريطانيا. هذا التقدم يعكس تقدما آخر في مجال حساس للغاية، وهو الذكاء الاصطناعي الذي يعتبر منعطفا في الصناعة الغربية، ويعتبر بمثابة ثورة جديدة، لكن الصين وفي ظرف وجيز للغاية نجحت في معادلة الغرب، بل التفوق عليه في بعض جوانب هذا المجال.
هذا الصراع ليس وليد السنوات الأخيرة، بل يعود إلى سنة 2003 عندما صدر أول تقرير للاستخبارات الأمريكية، يشير إلى خطورة هذه الشركة، واتهمها وقتها بسرقة التكنولوجيا الغربية. وفي سنة 2012 ارتفعت الاتهامات، وطالبت الاستخبارات الأمريكية من الحلفاء الغربيين التعامل بحذر شديد مع الشركة الصينية، إلى غاية المطالبة بمقاطعتها رسميا، بعدما تحولت الى أحد أكبر الشركات العالمية وتصل معاملاتها المالية سنويا إلى 125 مليار دولار.

تطرح الولايات المتحدة أمرين مهمين بشأن هواوي، الأول وهو ضرورة تفادي سيطرة الصين على الاتصالات في العالم عبر تقدمها التكنولوجي. وفي ارتباط آخر، هو اعتقادها في أن سيطرة الصين تعني مباشرة التجسس على الغرب. بداية 2019، تعتبر منعطفا في الصراع بين الشرق الحقيقي الذي هو الصين والغرب بزعامة الولايات المتحدة. الخبراء الغربيون يعترفون بتقدم الصين في الاتصالات والذكاء الاصطناعي، وهو ما يعد ثورة حقيقية. لم تعد الصين مصنع العالم الرخيص، الذي ينتج البضائع الرخيصة الثمن، بل قفزت قفزة نوعية في مجال التكنولوجيا وتخيف الغرب الآن بعدما أسقطت هيمنته في هذا المجال.
وهناك ملف آخر يلخص نوعية الصراع بين الغرب وهذه المرة روسيا، ويتعلق بالتأثير على الرأي العام. طيلة فترة طويلة، ونقتصر فقط على الإعلام، هيمن الغرب على إنتاج الخبر في العالم. والهيمنة تعني التحكم في الرأي العام، الغرب يتوفر على أكبر القنوات التلفزيونية، وعلى وكالات أنباء تاريخية مثل «فرانس برس» و»رويترز» و»أسيوسيشد برس». وفجأة، يعلن الغرب سواء الكونغرس الأمريكي في تصويت له، وكذلك البرلمان الأوروبي منذ 2016 على اعتبار الجريدة الرقمية «سبوتنيك» علاوة على «روسيا اليوم» خطرا على الأمن القومي الغربي. وعندما يتبنى القرار كل من أوروبا والولايات المتحدة، هذا يعني نقاشات طويلة جرت بين استخبارات الطرفين في تقييم مخاطر وسائل الإعلام هذه. وتتجلى التهمة الموجهة إلى «سبوتنيك» في البروباغندا ومحاولة التأثير على الرأي العام الغربي، خاصة خلال الانتخابات الرئاسية والتشريعية. وجرت الإشارة الى تدخل «سبوتنيك» في الانتخابات الأمريكية، ثم في بريكسيت، وكذلك في تطورات ملف كتالونيا في إسبانيا. ويتم اتهام «سبوتنيك» بالترويج للأخبار المغلوطة التي تعرف بـ «فاك نيوز». وخلال لقاء عمداء الاستخبارات الأوروبية في باريس بداية الأسبوع الماضي، كان من ضمن النقاط الرئيسية، هو كيفية تحصين الرأي العام عبر مواجهة ظاهرة «فاك نيوز» وأساسا وسائل الإعلام الروسية الجديدة: «سبوتنيك» و»روسيا اليوم».
ومن زاوية البحث العلمي في الإعلام، لا يمكن اعتبار «سبوتنيك» مجرد بروباغندا كلاسيكية على الطراز القديم، سواء الغربي أو السوفييتي، بل هي ممارسة إعلامية جديدة تتجلى في محاولة استقطاب الرأي العام لدول أخرى، من خلال التركيز على الأحداث السياسية والاجتماعية والثقافية لهذا البلد لإحداث تغيير. ومن ضمن الأمثلة، فقد خصصت «سبوتنيك» و»روسيا اليوم» مجالا كبيرا لظاهرة «السترات الصفراء» في فرنسا، فهي تعد من منابرهم الرئيسية في مخاطبة الرأي العام الفرنسي. وبهذا، نجحت «سبوتنيك» في نسختها الفرنسية في استقطاب قراء أكثر من منابر تاريخية مثل «ليبراسيون» و»نوفيل أوسيرفاتور»، كما تفوقت على «بي بي سي» و»سي أن أن» كمصادر الخبر الأجنبية في فرنسا.
لم تعد المواجهة تقتصر على من يصنع الصاروخ الأسرع والأكثر فتكا، أو منظومة الدفاع الأكثر فعالية، بل في قطاعات مثل الاتصالات والتقدم الطبي وكيفية مخاطبة الرأي العام. وبدأ الغرب يفقد الريادة في هذا المجال.

Sign In

Reset Your Password