خوان كارلوس ينفذ “تنازلا استباقيا عن العرش” لتفادي سقوط مرتقب للملكية في ظرف سنتين/د.حسين مجدوبي

شباب يحملون أعلاما جمهورية في بويرتا ديل سول أمس الاثنين

الحدث كان منتظرا والتوقيت لم يكن منتظرا، هو الخبر الذي نزل بمثابة القنبلة على الرأي العام الإسباني أمس الاثنين، تنحي الملك خوان كارلوس البالغ من العمر 76 عن العرش بعد 39 سنة من الحكم لصالح ابنه الأمير فيلبي 46 سنة. ويكاد يوجد إجماع على أن الملك قام بالتنازل عن العرش فجأة وبشكل استباقي لضمان استمرار الملكية بعدما كشفت نتائج الانتخابات الأوروبية تراجع أكبر حزبين في البلاد ومعه احتمال إلغاء الملكية في ظرف سنتين نتيجة التغييرات العميقة التي تشهدها اسبانيا.

وتنقسم اسبانيا الى قسمين، الأول بزعامة وسائل الاعلام الكلاسيكية والطبقة السياسية الكلاسيكية المكونة من الحزب الاشتراكي والحزب الشعبي تقول بتخطيط الملك للتنحي عن العرش منذ شهور، واختار بالضبط يوم 2 يونيو الجاري، وقسم يقدم رواية مختلفة ويعتبر نتائج الانتخابات الأوروبية وكيف جعلت الأحزاب الكلاسيكية تتراجع عاملا رئيسيا في “التنازل الاستباقي للحفاظ على ملكية وسط رأي عام جمهوري”.

وعلاقة بالأطروحة الأولى، توجد كل المؤشرات التي تدفع ملك البلاد خوان كارلوس الى التنازل عن العرش، مؤسسة ملكية تدهورت بسبب الفضائح، أزمة اقتصادية لم تساهم الملكية في حلها، وتحديات ترابية تتجلى في قرار حكومة الحكم الذاتي في كتالونيا الانفصال ثم وضع صحي للملك الذي خضع لخمس عمليات جراحية في ظرف أقل من سنتين لم تعد تؤهله لمواكبة مجتمع راغب في التغيير مثل الإسباني، ويحتاج الى قيادة جديدة. وتذّرع الملك بحاجة البلاد لقيادة جديدة للتنازل عن العرش.

وعمليا، هذه المؤشرات لا تصمد طويلا أمام معطيات أخرى ومنها حملة “الماركتينغ” التي يخوضها الملك خوان كارلوس منذ شهور لاستعادة شعبيته، وأبرزها زيارات الى دول الخليج لجلب استثمارات وعقد صفقات لإنقاذ الاقتصاد الاسباني الذي يعاني أزمة خانقة. وعلنا، كان الملك يؤكد استبعاد فكرة التنازل لابنه، فهو كان يعتقد في المقولة الشهيرة “مات الملك، عاش الملك”، وتعني موت الملك فوق سريره وإعلان خلفه مباشرة. وكانت الملكة صوفيا بدورها من مؤيدي هذا النمط منوراثة العرش.

ومنطقيا، يبقى الدافع الرئيسي للملك خوان كارلوس “بالتنحي الاستباقي” هو نتائج الانتخابات الأوروبية على المستوى الإسباني واستقالة الأمين العام للحزب الاشتراكي ألفريدو روبالكابا.

وعلاقة بالنقطة الأولى التي تناولتها عدد كبير من المحللين والباحثين والسياسيين، فقد نتج عن الانتخابات الخاصة بالبرلمان الأوروبي التي جرت الأحد ما قبل الماضي تراجعا تاريخيا لأكبر حزبين، الحزب الشعبي الحاكم والحزب الاشتراكي المعارض. لم يتجاوزا 50% من الأصوات بينما كانا في الماضي يحصلان على ما بين 75% الى 85%. وفي المقابل، تقدمت أحزاب يسارية جمهورية بشكل ملفت للنظر ومنها حزب بوديموس الذي تأسس منذ أربعة أشهر وحصل على خمسة مقاعد ويرشحه الجميع للعب دور طلائعي مستقبلا.

وفي حالة تطبيق نتائج الانتخابات الأوروبية على البرلمان الإسباني، فهذا يعني عدم توفر الحزب الشعبي الحاكم والحزب الاشتراكي الحاكم على الأغلبية المطلقة. وأمام برلماني اسباني نتائجه مرسومة وفق نتائج الانتخابات الأوروبية لن تتم المصادقة على الأمير فيلبي ملكا للبلاد. ويحتاج ولي العهد ليصبح ملكا للبلاد مصادقة البرلمان. والوضع الحالي في البلاد يعكس تشكيلة البرلمان المقبل، وبمجرد إعلان تنازله عن العرش، شهدت مدن اسبانيا مساء الاثنين أكثر من خمسين تظاهرة في اسبانيا مطالبة باستفتاء حول بقاء الملكية أو تبني الجمهورية.

والعامل الثاني الذي سرّع بتنحي الملك عن العرش استقالة الأمين العام لحزب الاتحاد الاشتراكي ألفريدو روبالكابا بسبب نتائج الانتخابات الأوروبية التي كانت أسوأ نتيجة له منذ السبعينات. ويعتبر هذا الحزب من ركائز الدولة الإسبانية، فهو يتداول الحكم مع الحزب الشعبي منذ الانتقال الديمقراطي، ويعيش الآن مرحلة انتقالية يلفها الغموض بوصول جيل جديد من الشباب لا يؤمن مطلقا بالملكية. ويعمل هذا الحزب بمقولة “حزب جمهوري روحا وملكي عقلا”. وهو لا يعترف بالملكية في أدبياته شأنه شأن أغلبية الأحزاب ولكنه يقدّر دور الملك خوان كارلوس في الانتقال الديمقراطي. وبهذا قام الملك بتقديم استقالته في وقت يستمر فيه روبالكابا بشغل منصب الأمين العام مؤقتا رغم استقالته في انتظار مؤتمر الحزب الشهر المقبل. وتؤكد جردية أنفوليبري أن  روبالكابا يضمن للملك تصويت الفريق الاشتراكي في البرلمان على ولي العهد ملكا للبلاد خلال ثلاثة أسابيع.

التغيرات السياسية العميقة التي يعيشها المجتمع الإسباني وعنوانها البارز نتائج انتخابات البرلمان الأوروبي دفعت الملك خوان كارلوس الى “التنازل الاستباقي عن العرش” إنقاذا للملكية حاليا لأنه في ظرف سنتين ومع انتخابات تشريعية جديدة لن يضمن استمرارها في حالة وصول الجمهوريين الى البرلمان، فالملك الجديد يحتاج لمصادقة البرلمان عليه، وبرلمان جمهوري لن يصوت على ملك.

وقد جرب الملك مساء يوم إعلان اعتزاله، 2 يونيو، كيف خرج مئات الآلاف من الإسبان في أكثر من خمسين مدينة مطالبين بالجمهورية وإلغاء الملكية.

تظاهرة أمس الاثنين في قلب العاصمة مدريد مطالبة بالجمهورية

Republica

 

 

مقالات ذات صلة

Sign In

Reset Your Password