خمسون سنة على: “I Have a Dream” ، العلاقات العرقية في أمريكا واستمرار مطاردة الحلم

مارتن خلال خطابه الشهير

تحل اليوم 28 غشت الذكرى الخمسون على الخطاب الشهير الذي ألقاه داعية حقوق الإنسان والمدافع عن حقوق الأقلية السوداء مارتن لوثر كينغ في العاصمة واشنطن حيث كان أشهر حديثه  قوله: “لدي حلم”،  وكان حقا حلم الولايات المتحدة  بأن يعيش فيها المواطنون في عدل  وسلام بغض النظر عن انتماءاتهم العرقية والدينية والإديولوجية.  و بعد مرور  خمسة عقود، تحسنت وضعية السود نسبيا، وتحقق لها  الكثير من المكاسب، لكن  ذاك الحلم أيضا مازال قائما امام مزيد من المطالب  لتجاوز الخطر  الذي يتهدد  العائلة السوداء التي أصبحت عرضة للإنهيار، بسبب تقلبات الحياة  وصروفها . مقال مجلة ذي إيكونوميست البريطانية يعرض ما تحقق  من منجز إنساني واجتماعي وسياسي  وحقوقي لدى السود في الولايات المتحدة الامريكية، ويتوقف أيضا عند المعارك التي يتعين كسبها لبلوغ  مطلب الاستقرار والمساواة الكاملة  لدى  العائلة السوداء.

نص المقال:

جرى تخليد اسم مسيرة ”مارتن لوثر كينغ” بإطلاق إسمه على العديد من الشوارع والمدارس و الجسور في أمريكا تتويجا لمسيرة حياته العظيمة. وبمجرّد أن يبدأ الأطفال الأمريكيون  في النطق  تقريبا حتّى يتعلّموا تقديس ”كينغ”،الرجل الذي كانت رسالته عبارة عن توضيح مبسط لوعد مؤسسي الولايات المتحدة الذين أقرّو أنّ:”كل الرجال خلقوا متساويين” وأن لهم الحق في ”الحياة والحرية و السعي وراء تحقيق السعادة” وهي الحقوق التي يجب أن يتمتع بها جميع الناس، مهما كانت أعراقهم كما طرح ”لوثر”. كان ذلك قبل أن يدلي بأفضل مالديه يوم 28 غشت 1963 في خطابه الشهير أمام الجماهير العريضة في واشنطن العاصمة، بقوله المأثور:” لدي حلم بأن يعيش أبنائي الأربعة الصغار يوما ما في بلد لا يتم فيه الحكم عليهم من خلال لون بشرتهم بل من خلال أخلاقهم و شخصياتهم”.

ومنذ ذلك الحين وخلال خمسين سنة الموالية، تغيرت سياسة أمريكا إلى أبعد من الإعتراف بحقوق السود، رغم تلك القوانين الإنتخابية التي نظمت اقتراع السود المعروفة باسم قوانين ”جيم كراو”، والرجال السود الذين جازفوا بأرواحهم بتسجيل أنفسهم في لوائح الإنتخابات بالجنوب. ثم إجبارهم على استخدام ينابيع مياه ومدارس رديئة ومنفصلة.كما تمّ إدراجهم في وظائف وضيعة، حيث في عام 1940 شغلت %40 من النساء السود وظائف خادمات في البيوت.

 ويعتبر الأفرروأمريكيون في الوقت الراهن أكثر  الناس إقبالا على التصويت من أي مجموعة عرقية أخرى، خصوصا مع وجود الرئيس الحالي باراك أوباما على لائحة الإنتخابات.إن التحيز الأبيض ضد المترشحين غير البيض صعب الإكتشاف، فحاكم ولاية ماساتشوستس ذات الغالبية البيضاء هو رجل أسود، كما أن أوباما كان قد فاز بأكبر عدد من الأصوات البيضاء سنة 2008 ،أي أكثر مما قام به جون كيري سنة 2004 .

في أيام لوثر كينغ كان الحب بين الأعراق عملا غير قانوني في كثير من الدول.أما اليوم فــ%15 من الزواجات قد تخطّت الحدود العرقية، بينما كان العزل العرقي هو القانون السائد في الجنوب الأمريكي، والقاعدة الثابتة في الشمال أيام لوثر.

أما الآن فـ”جميع أحياء البيض قد انقرضت تماما” كما كشفت دراسة حديثة أجراها ”إدوارد كليزر” و ”جيكوب فكدور”،  إذ قد تراجع العزل العرقي في كل المناطق الكبيرة الحضارية الأمريكية الخامسة والثمانين، فلا أحد يستغرب من إدارة السود للمدن الكبرى (واشنطن، فيلاديلفيا ، دنفر) أو الشركات الكبرى (ميرك،زيروكس،أميركان إكسبريس) أولعب دور”الرب” على شاشة السينما مثلما فعل ”مرغين فريمان”، فارتفعت بذلك أرباح الرجال السود بعد ثورة الحقوق المدنية تماما بنفس نسب الرجال البيض. إنجاز متقطّع :

إلا أنه في السنوات الأخيرة لم يحرز أي تقدّم اقتصادي، فانخفض الدخل  المتوسط للأسرة السوداء من %64 إلى %58 مقارنة مع دخل أسر البيض بين سنتي 2010 و2011، فيما تستمر الفجوة المالية في إثارة القلق. فرهن المنازل أفقر ثروات الناس، لتتسع الفجوة بشكل كبير مع تزايد عدد السكان. و خلال سنة 2005 كان متوسط دخل الأسر البيضاء 11 مرة ضعف مقابل دخل السود، وفي سنة 2009 صار  بضعف 20 مرّة. وكذلك في مجال التعليم حيث متوسط الأرقام الذي يحققه المراهق الأسود ذو17 سنة يعادل ما  يحقّقه مراهق أبيض لا يتجاوز عمره 13سنة ، أمّا قانونيا فيوجد رجل واحد من أصل عشر رجال سود (بين 30 و34 سنة) وراء القطبان، بمقابل رجل واحد أبيض من أصل 61، كما أن الأسرة السوداء التقليدية انهارت منذ أيام لوثر. و أشارت إحصائيات الستينيات على أن ما يقارب %25 من الأطفال السود ولدو ا خارج نطاق الزوجية، أما نسب اليوم فهي تشير إلى % 72 مقابل %29 بالنسبة للبيض،معظمهم تربّو على يد أمهات عازبات وحيدات تماما.

 و يؤدي تفسير هذه المعطيات إلى الوقوع في معسكرين.بسبب بعض توترات آثار العنصرية المتبقية، كالنقص الحاصل  في مدارس المدن الداخلية للسود، و تجاهل أرباب العمل لطلبات عمل السود، وانحياز نظام العدالة الجنائي ضد السود . و إذا  كانت هذه التشخيصات صحيحة فأفضل وصفة طبية هي المزيد من التموين للمدارس الداخلية مع تطبيق صارم لمكافحة القوانين العنصرية وتوفير تكوين أفضل لرجال الشرطة و القضاء.

و من غير المحتمل أن  تكون العنصرية قد تنامت بشكل سيء في أمريكا خلال العقد الماضي، فالتعبير برأي عنصري اليوم في أمريكا هو خطأ فادح قد يكلفك نهاية مسيرتك المهنية، كما أنه يتم معاقبة الشركات التي تثير الميز العنصري قانونيا وعلى مستوى المستهليكن.

إن فشل مدارس السود ليس مؤامرة عنصرية، فهناك رؤساء مدن سود مسؤولون، كما يحمّل المدعون الفدراليون المسؤولية للنائب العام الأسود.  و تشير استطلاعات للرأي على أن العنصرية في تناقص، ففئة الشباب هي أقل تعصبا بكثير من الفئة الكبيرة. ومتوسط دخل النساء السوداوات من حملة الشواهد العليا على سبيل المثال هي تقريبا بنفس أرقام مداخيل النساء البيضاوات. و يميل السود والبيض من المحافظين إلى التصريح بأنه رغم أن  العنصرية  ما تزال قائمة في البلاد إلا أن السود يترك لهم حل مشاكلهم بنفسهم على نطاق واسع. وإن الأمريكيين الذين ينهون مدرسة الثانوية ويعملون بدوام، و يتمهلون حتى سن 21 ثم يتزوجون قبل إنجاب الاطفال، يتعرضون للفقر فقط ب %2 ولكن القليل من المواطنين السود من يلبون هذه الشروط الأساسية الثلاثة بطريقة كئيبة. انعكاسات قوانين ”جيم كراو”. Dream

مع أنه حتى الآن يحسم الأفراد في مصير جماعات بني عرقهم في نهاية المطاف، إلا أنه من الصعب التخلص من إرث الميز العنصري.إن الفقر يولد الفقر الآن أكثر من الماضي، فمع التقدم التكنولوجي سقط مجتهدو المدارس في سوق الشغل، كما عصفت الأزمة بأسر الأولياء العازبين بما أنهم في افتقار إلى الإستقرار الذي يشكله غياب أحد الوالدين.  وهناك العديد من الطرق التي قد تتخذها الحكومة لمساعدة السود، ليس بمعالجة العنصرية على وجه الخصوص بل من خلال معالجة عيوب النظام الأمريكي التي تؤذي السود أكثر من البيض. و لاتتجلى فضيحة نظام العدالة الجنائية الأمريكية في كونه نظاما متحيّزا، بل بكونه نظاما وحشياّ، فهم يقومون بسجن المدانين بجرائم المخدرّات غير العنيفين لعقود طويلة، مما يسبب دموعا و أسى و يشتت شمل الأُسر،فيما أنه من الأفضل بكثير أن يتم تقديم العلاج لمجرمي ومدمني المخدّرات القاصرين ومساعدتهم على الحصول على وظائف. فكما تبين التجربة، لا يمكن أن تنصلح مدارس المدن الدّاخلية بمجردّ إغداق الأموال عليها بحيث يستفيد  على نحو كبير منها المعلمون أكثر من التلاميذ. فكما لاحظ الرئيس أوباما، فإن السود يسخرون ويتنكرون لأي زميل يدرس بجد، فينعنتونه بأنه ”يتصرّف مثل البيض”، تكاد تكون هذه القاعدة الثقافية للتدمير الذاتي منعدمة في المدارس الخاصة وهي أحد الأسباب التي تجعل الآباء السود يحرصون على تدريس أبنائهم في الأقسام والمدارس الخاصة، والإصلاحيون محقّون عندما يسمّون خيار المدرسة بــ”نضال الحقوق المدنية الجديد” .

ليس هناك الكثير مما قد يقوم به السياسيون حيال انهيار الأسرة السوداء في أمريكا ولكنه ينبغي لإصلاحيتي المدرسة و السجن أن تساعد، فما قد لا يثير الدهشة هو  أن تتعلم النساء السوداوات عدم تفضيل الشركاء ذوي التعليم الرديء و المساجين، وقد تساعد القدوة الحسنة أيضا بإيحاء من السيد أوباما إلى الشبان السود إلى حدّ ما، بكونه يتوفّر على زوجة وبنات يقدّرهن و يحترمهن بوضوح

. إن ماضي أمريكا المخزي آخذ في التلاشي .فمع أن لون البشرة هو لاشئ اليوم إلا أنه كان حاجزا كبيرا ذات مرّة، ولكنّ ”السعي وراء السعادة” الذي أشار إليه لوثر كينغ ليس أبدا بالأمر اليسير وهو لا ينتهي أبدا.

مقالات ذات صلة

Sign In

Reset Your Password