خرافة اعتماد الولايات المتحدة على أموال العرب/د. حسين مجدوبي

النفط والدولار

كثيرة هي المعطيات التي تروج وسط الرأي العام خاصة في العالم العربي، ويعتمدها الكثير من الخبراء والباحثين، ويعتبرونها بمثابة مسلمات لا تناقش نهائيا. ومن هذه المسلمات، قيام الولايات المتحدة بـ»حلب» دول الخليج العربي ونهب أموالها، وتوقيع صفقات أسلحة ضخمة معها. وهي معطيات خاطئة بشكل كبير لأن أهمية الخليج يتجلى في استمرار ارتباط النفط بالدولار  «بترودولار»، وهو حيوي للاقتصاد والهيمنة الأمريكية في العالم.
في هذا الصدد، تروج أفكار منذ عقود باستحواذ الولايات المتحدة على اقتصاد دول الخليج، بل والادعاء بأن الاقتصاد الأمريكي لا يمكنه العيش بدون أموال الخليج. والواقع أن هذه الأفكار غير صحيحة بالمرة، فمجموع اقتصاد الدول العربية المنتجة للنفط بالكامل، لا يصل الى مستوى الإنتاج القومي الخام لمدينة أمريكية مثل نيويورك (1400 مليار دولار)، ولا يتجاوز حوالي 5% من الاقتصاد الأمريكي فقط والبالغ 19 ألف مليار دولار. في الوقت ذاته، التبادل التجاري بين الدول العربية النفطية والولايات المتحدة يبقى دون هذه الأخيرة، ودولة واحدة مثل ألمانيا، بل بالكاد يشكل التبادل التجاري ما بين 2% إلى 3% من المبادلات الخارجية الأمريكية.
في الوقت ذاته، لا توجد أي دولة عربية نفطية، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، ضمن الدول العشر الأوائل المستثمرة في السوق الأمريكية، بل ولا توجد حتى ضمن العشرين الأوائل، حيث الريادة تعود لاستثمارات بريطانية وألمانية وفرنسية وكندية وصينية وإيطالية ومكسيكية وإيطالية، والدولة المسلمة الوحيدة التي تحضر ضمن اللائحة هي سنغافورة. هناك فرق بين الأموال المستثمرة والودائع في البنوك الأمريكية، حيث الاستثمارات العربية -النفطية ضعيفة بينما الودائع مرتفعة. وفي مبيعات الأسلحة، تعتبر السعودية من الزبائن الرئيسيين للسلاح الأمريكي، ولكن لا تحتل الصدارة، فالرقم الحقيقي للمشتريات هو قرابة ملياري دولار سنويا، وجزء كبير من المشتريات هو من الذخيرة، خاصة في حرب اليمن، حيث أن آخر صفقة ضخمة بين البلدين تعود الى سنوات خلت، بعدما اقتنت الرياض عشرات من المقاتلة (أف 15). أما تلك الصفقات بمئات الملايير من الدولارات التي جرى الحديث عنها مؤخرا، فهي مجرد تصريحات الرئيس ترامب التي ينساها الناس مع هبوط الليل، حيث لم يتم التوقيع على أي صفقة مهمة، باستثناء صفقة صواريخ الثاد التي تنتظر الموافقة النهائية.
الولايات المتحدة لا تتوصل بأي أموال بطريقة غير شرعية من الدول النفطية، لأنها لا تحتاج اقتصاديا لهذه الدول. ويحدث أنه تحتاج الاستخبارات الأمريكية تمويل عمليات وسخة ما، ولا تريد ترك بصمات واضحة، وقتها تلجأ إلى دول الخليج التي تلبي الطلب، ولا يتعلق الأمر سوى بعشرات الملايين من الدولارات، وفي حالات استثنائية مئات الملايين من الدولارات، مثل تمويل السعودية للمقاتلين في سوريا. اعتماد الاقتصاد الأمريكي على خزينة دول الخليج، من الأفكار غير الصحيحة التي تروج وسط العالم العربي، وتترتب عليه تحاليل وتكهنات مغلوطة. ما يعتبر استراتيجيا وحيويا للولايات المتحدة هو استمرار ارتباط النفط العالمي وأساسا الخليجي بالعملة الأمريكية الدولار، وهو ما يطلق عليه «البترودولار»، إلى مستوى أن عملة النفط هي الدولار. وهذا الارتباط من أسباب قوة الولايات المتحدة، ما يجعلها تلجأ إلى العقوبات الاقتصادية، وتحاول منع بعض الدول من استخدام الدولار. وتوفر واشنطن الحماية للدول العربية المصدرة للنفط، سواء أمام التهديدات الخارجية أو الانتفاضات الداخلية، مقابل التزام هذه الدول الاستمرار في ربط مبيعات النفط بالدولار، لأن هذا يعني استمرار الطلب على الدولار عالميا، ما يخدم الاقتصاد الأمريكي، ويجعل هذا البلد يطبع الدولار باستمرار، من دون إسناده بالذهب، منذ السبعينيات، عندما تخلى الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون عن ربط الدولار بالذهب، لهذا تتغاضى عن خروقات هذه الدول العربية، لحقوق الإنسان وتعمل على مساعدتها على منع تطور أي معارضة سياسية داخلية. كما يتولى الأسطول الخامس حماية هذه الأنظمة ضد التهديدات الخارجية، تجنبا لانهيارها، ولهذا يوجد مقره في البحرين.

وإذا تخلت دول الخليج عن الدولار وقبلت عملات دولية أخرى مثل، اليوان الصيني والأورو الأوروبي، وقتها سيتراجع الطلب على الدولار، وسيفقد الكثير من قيمته وستتراجع الهيمنة الأمريكية على العالم. هذا هو السبب الحقيقي الذي يجعل واشنطن تحرص على استمرار أنظمة الخليج العربي المنتجة للنفط، وتعارض كل محاولة ربط البترول بعملة أخرى. وكان من أسباب تدخل واشنطن في ليبيا، وقبلها في العراق، محاولة كل من معمر القذافي وصدام حسين الرهان على البترويورو بدل البترودولار. وهذا من أسباب ضغط واشنطن على فنزويلا، التي تلوح بالتخلي نهائيا عن الدولار، ومن الأسباب الرئيسية كذلك للتوتر مع إيران التي تهدد بالتخلي نهائيا عن الدولار بسبب العقوبات الأمريكية. وتسعى الصين إلى جعل عملتها اليوان عملة دولية في السوق الدولية وربطها بالنفط أي البترويوان مستقبلا. وبدأت تحقق هذا بعدما بدأت تتحول منذ سنتين إلى أكبر مستورد للنفط في العالم، بدل الولايات المتحدة. وبدأت دول تفضل اليوان مثل روسيا، وإذا جرى تعميم اليوان، وقتها سيبدأ التخلي عن الدولار كمرجع للعملة العالمية، وسيصبح عملة رئيسية مثل باقي العملات ولكن ليس عملة حاسمة.
ومن نتائج هذا التحول الآخذ في التبلور، هو بدء فقدان الدول العربية النفطية أهميتها بالنسبة للولايات المتحدة. وتدرك الولايات المتحدة حدوث هذا السيناريو، لهذا تتوجه الى منطقة الهادي التي ستكون مركز العالم الاقتصادي، وهذا سيزيد من تخليها عن الدول النفطية العربية. هذا من الأسباب التي جعلت الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما يقول للدول العربية النفطية في حوار مع مجلة «أتلانتيك»: «أصبحتم غير مهمين في الأجندة الأمريكية الجديدة».

Sign In

Reset Your Password