ثورة الفايسبوك أو حصان طروادة؟ عبدالحميد البجوقي

تداولت وسائل الاعلام  دور الانترنيت وشبكات التواصل الاجتماعي في اندلاع ربيع الشعوب، وتناقلت بعضها أخبار المدونين وبطولاتهم في تحريك الشارع بعيدا عن رقابة الدول. ومع ىسقوط النظام التونسي اعتقد الكثيرون أن الدول أصبحت عاجزة عن التحكم في التواصل بين مواطنيها و تنظيمهم لتحركات شعبية قوية في الشارع ، كما تناقلت التحاليل دور هذه الشبكات من فايسبوك وتويتر وغيرها في سقوط أنظمة بكاملها بداية بالنظام التونسي والمصري واستمرار الحراك ضد أنظمة أخرى.

أعترف أنني كنت من الأوائل الذين ابتهجوا لدور هذه الشبكات الافتراضية في تحريك الشارع وآمنتُ بيقينية بليدة أن هذه الشبكات التي أطلقها نظام السوق بهدف الربح كانت وبالا على الكبار، وعلى السوق، وعلى زعماء العولمة المتوحشة. واعتقدت أن تعقيدات هذه البحار والطرق السيارة من المعلومات ومن مجالات التواصل قد فتحت على البشرية مرحلة جديدة أصبحت فيها المعلومة ملك للجميع وأصبحت وبالا على الطاغوت. وأصبح التواصل بين البشر لا يخضع لقوانين الدول وأنظمتها، كما أصبحت هذه الأخيرة عاجزة عن التحكم في هذه الكرة الضخمة من خيوط شبكة عنكبوتية هائلة، شبكة  قادت تحرّر البشر من تسلط الأنظمة ورقابتها، وفرضت على الأنظمة تغيير سياساتها مع المواطن الذي أصبح خارج تأثير إعلامها ومُنتجا لإعلام بديل ومُؤثر.

مرت سنوات على هذا “الانبهار” انهارت خلالها مصر أو تكاد،  وتُواصل تونس لاهثة للخروج من عنق الزجاجة، واستأمن فيها المخزن حاله في المغرب بتوافق مع أبلد الاسلاميين في المنطقة، واستأمنت اسرائيل حالها بعد تطويق سوريا عربيا وإقليميا ودوليا، وفتحت أمريكا حوارها مع طالبان بعد أن استكملوا مهمتهم في تبرير غزواتها ، ولا زال بعضنا يعتقد أن شبكات التواصل الاجتماعي  تُحرج وتهدد الدول العظمى وصنائعها في المنطقة.

بالمقابل تفجرت فضيحة القرن بامتياز والمتعلقة بتجسس بريطانيا والولايات المتحدة على البشر ومحاولتهما رصد أنفاس البشر وأسرارهم عبر الشبكة العنكبوتية وشبكات التواصل الاجتماعي، وتبين من تصريحات الجاسوس الأمريكي المختبئ في هونكونغ  إدوارد سنوودن أن هذه الأخيرة تتجسس على الدول وعلى المؤسسات وعلى الخواص، وأن هدفها الاستراتيجي هو توجيه الرأي العام عبر التحكم في هذه الشبكات وتطوير آليات تحكمها في الجماعات وفي المجتمعات وتوجيهها نحو مواقف وتحركات تلائم الاستراتيحية المرسومة سلفا من طرفها، وعرضها كأنها مطالب للشعوب تتجاوب معها هذه الدول بديموقراطية.

حسب نفس الجاسوس الأمريكي أنه باستثناء تونس التي كانت مرحلة تجريبية، باقي الانتفاضات من مصر مرورا باليمن وسوريا تمت البرمجة لها وترتيب فصولها بدقة واستباقية وفّرتها شبكات التواصل الاجتماعي المُخترقة، كما أن التحكم في هذه الانتفاضات تم بشكل مختلف من بلد لآخر وحسب السيناريو المنشود لكل منطقة ، وهذا ما لاحظناه من اختلافات في المنحى والهدف الذي تباين بين إسقاط رؤوس بعض الأنظمة (تونس، مصر، ليبيا واليمن )والحفاظ على بعضها بعد تعديل أجندة حكامها (البحرين، الأردن، المغرب والسودان، وربما الجزائر إلى حين) مع استمرار محاولة ترتيب الباقي لاستكمال أجزاء الصورة الجديدة للمنطقة.

قبل ذلك وفي سنة 2010  انتقل بدون ضجة تُذكر  المسؤول الأول عن أمن الفايسبوك وأحد أدمغته اللامعة ماكس كيلي Max Kelly للعمل في وكالة المخابرات الأمريكية حاملا معه معلومات ما لايقل عن ألف مليون مشترك في الفايسبوك، وكان ذلك سنة 2010،أي سنة قبل اندلاع الثورة التونسية، ونعرف االيوم عبر تسريبات الجاسوس إدوارد أن ماكس كيلي تم استقطابه للعمل مع المخابرات الأمريكية من طرف الجنيرال كيت ألكسندر مدير قسم تجنيد القراصنة بالوكالة الأمريكية، كما كان مسؤولا عن برنامج التعاون مع الشركة المالكة لبرنامج سكايب Skype  للتواصل عبر الانترنيت قبل أن تقتنيه ميكروسوفت سنة 2011.

هناك من يضع في قلب هذه الاحتمالات كذلك ما يجري اليوم في البرازيل والتشيلي، خصوصا بعد أن أصبحت هذه الدول تُهدد بنموها المتصاعد الاقتصادات الغربية العليلة، وتقترب من تحالفات مُحتملة مع التنين الصيني، والدب الروسي والهند الصاعدة إلى جانب أخرى.

قد يبدو للبعض أن للمقاربة علاقة بما يُعرف بنظرية المؤامرة، أو أن في الموضوع انحياز لأطروحة البكاء على الأنظمة البائدة باعتبارها كانت أخف الأضرار، أو تبرير نوسطالجيا الدعم غير المشروط لسوريا البعث، أو غيرها من تبريرات فهم أسباب نزول هذه التشكيكات التي أججتها فضيحة التجسس الأمريكي والبريطاني على العالم.

الحقيقة أنني ما فتئت أرفض نظرية تفسير فشلنا السيزيفي بمؤامرات تُحاك ضدنا، كما لا أجد أي مبررلاستمرار النظام السوري وقبله المصري أو التونسي باسم قومية عُنصرية بليدة، أوبمبرر الحفاظ على حصون المواجهة مع الوهابية القاتلة وتُجّار التطرف، كما أن انكشاف الاستراتيجيات الغربية اليوم لا يُبرر الشّوق إلى الدمى التي سقطت فقط لأن دورها انتهى.

في ظل هذا الكسوف وانفجار فضائح التجسس من حجم وثائق ويكيليكس سابقا، والدفعة الأولى من تسريبات الجاسوس الأمريكي إدوارد سنوود ، يحضُرني بقوة السؤال الذي  غاب عنا في خضم فرحتنا بانطلاق ربيع الشعوب، سؤال من يراقب من؟ ومن يُحرك من؟

يتعلق الأمر بكيف صدقنا أننا تخلصنا من رقابة الأنظمة ومن سيطرتها على المعلومة ومن تحجيمها للتواصل بيننا بفضل الشبكة العنكبوتية وشبكات التواصل ، ونسينا أنها قبل تحريرها وتسويقها كانت اختراعات عسكرية سرية . والواضح اليوم أن  انبهارنا بها لم يكن صُدفة ولااستعمالنا لها انفلات أمني، بل كان جزءا من الاستراتيجية الامنية الجديدة ، و ما سرّبه الجاسوس الأمريكي الهارب يؤكد هذه الفرضية ويؤكد أن آليات التواصل التي ساعدت على سقوط بعض الأنظمة، هي نفسها التي تُشرف على مراقبتنا والتأثير في قراراتنا الجمعية، وأن صانعها ومُحررها يستعملها في مراقبتنا بدقة وتفصيل أكثر من السابق وبمحض “إرادتنا”.

رغم فرضية الشك وهاجس الحذر، وكلاهما يؤسسان للحقيقة التي نسعى إليها.

لست متشائما، بل يملأني اليقين بالنصر للحرية..

Sign In

Reset Your Password