ترامب سينهزم في الانتخابات وسيتسبب في ظهور حزب متطرف على شاكلة أحزاب أوروبا المتطرفة

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب
بقيت ثلاثة أشهر على الانتخابات الرئاسية الأمريكية، ولعل عنوانها البارز هو “الطرد المرتقب لترامب من البيت الأبيض”، وذلك نتيجة التغييرات التي تحصل في المجتمع الأمريكي بعد جائحة كورونا. لكن هذه الانتخابات قد تحمل بداية ظهور يمين فاشي مقلق في هذا البلد.
وكانت عوامل كثيرة قد ساهمت في فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية خلال سنة 2016 وعلى رأسها ثلاث عوامل وهي الخطاب المعادي للعولمة والتعهد بمواجهة الصين ثم الحد من الهجرة اللاتينية وأساسا المكسيكية. علاوة على عامل آخر وهو استغلال تمرد جزء كبير من الشعب على الإستبلشمنت أو نخبة المدن الكبرى مثل نيويورك وواشنطن وبوسطن وسان فرانسيسكو وشيكاغو. وكان صاحب هذا المقال قد استعرض في مقالات وقتها احتمال الفوز اعتمادا على هذه الأسباب ومنها مقال “خطاب دونالد ترامب القومي المتطرف، لماذا يستهوي ترامب الناخب الأمريكي، 2 أبريل 2016).
وبدأت بعض الأسباب التي حملت ترامب الى البيت الأبيض تنتفي في الوقت الراهن بسبب التطور الذي يشهده المجتمع الأمريكي، لاسيما في السنوات الأخيرة نتيجة سياسة الاستقطاب الشديدة التي تسببت فيها سياسته. وهكذا نجد تطورات عميقة ستترجم في صناديق الاقتراع خلال الانتخابات الرئاسية المقبلة المرتقبة في ظرف ثلاثة أشهر وهي:
في المقام الأول، فوز كل من إلهان عمر (منيسوتا) ورشيدة طاليب (ميشيغان) في الانتخابات التمهيدية وسط الحزب الديمقراطي للكونغرس رغم الحملة الشرسة لترامب ضدهما، ملصقا بالأولى تهمة مساندة الإرهابيين بسبب ديانتها الإسلامية وموظفا ضد الثانية خطاب معاداة السامية بسبب مواقفها من القضية الفلسطينية وجذورها الفلسطينية. وكانت أصوات من الديمقراطيين تطالب باستبعاد رشيدة طاليب وإلهان عمر لكي يستعيد الحزب ما يعتبرونه “اعتدالا”، والآن يحدث العكس.
في المقام الثاني، تعيين المرشح الديمقراطي جو بايدن لكمالا هاريس نائبة له في الانتخابات الرئاسية، وهذه أول مرة يتم فيها تعيين امرأة تنحدر من الأقليات ولا تنتمي الى البيض لكي يكسب أصوات الأقليات. وتمتلك حظوظا قوية لكي تصبح أول نائبة رئيس أمريكي بحكم وجود كل المؤشرات على فوز بايدن.
في المقام الثالث، وعي شريحة كبيرة من المجتمع الأمريكي بأن البلاد بعد الفشل في مواجهة كورونا فيروس في حاجة الى تغيير حقيقي يضع الصحة والتعليم ضمن الأولويات الرئيسية في الأجندة الانتخابية بدل تركهما في يد القطاع الخاص. وهذا ما يمثله في الوقت الراهن الحزب الديمقراطي الذي بدأ يميل الى اليسار بفضل الروح السياسية الجديدة التي بثها فيه خلال الانتخابات التمهيدية للحزب بيرني ساندرز سواء في مواجهة هيلاري كلينتون سنة 2016 أو جو بايدن سنة 2020. وكان ساندرز يدافع عن الصحة والتعليم المجاني العمومي للجميع.
في المقام الرابع، كشفت التظاهرات الكبيرة التي تلت مقتل جورج فلويد وهو من الأمريكيين السود على يد شرطة مينيابوليس خلال مايو الماضي عن وجه جديد للولايات المتحدة، وهو بلد التعدد الثقافي والاثني الذي لن يتساهل مع التجاوزات العنصرية التي تشهدها الولايات المتحدة. وترى هذه الشريحة في ترامب ممثل العنصرية المؤسساتية المرفوضة.
ولم يعد هناك شك في هزيمة ترامب، لن يخلق المفاجأة هذه المرة بحكم التغيير في المجتمع الأمريكي بما فيه نسبة هامة من الناخبين الجمهوريين المعتدلين علاوة على رغبة المؤسسات الأمريكية مثل الخارجية والجيش (الجيش يحسم هزيمة ترامب بدون تزوير الانتخابات، 15 يونيو 2020) في تغيير في البيت الأبيض لإنقاذ مكانة البلاد في الخارج وحتى لا تضعف أمام الصين. هذا ما أدركه عدد من قادة الاتحاد الأوروبي الذين يرفضون اتفاقيات جديدة مع ترامب في انتظار رحيله خلال نوفمبر المقبل.
في الوقت ذاته، قد تكون هناك مفاجأة غير سارة ستحملها الانتخابات الأمريكية المقبلة وهي احتمال ظهور حركة قومية متطرفة على شاكلة الأحزاب اليمينية القومية المتطرفة في أوروبا. علاقة بهذا الموضوع، من أسباب نجاح ترامب في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري ثم الرئاسية سنة 2016 هو إقناعه للناخبين المتطرفين وخاصة الحركة التي ظهرت سنة 2010 ضد اختيار باراك أوباما وحملت الإسم التاريخي “حركة الشاي” بالتصويت عليه ثم إقناع الإنجيليين. وبعد الهزيمة المرتقبة لترامب في الانتخابات الرئاسية، سيراهن الحزب الجمهوري على خطاب الاعتدال تماشيا مع التطورات التي يشهدها المجتمع الأمريكي استعادة جزء من هويته التي فقدها خلال سنوات ترامب.
وعمليا، لقد بدأت أصوات في الحزب الجمهوري تنادي بالعودة الى الاعتدال والرهان على تاريخ الحزب الذي يتم اتهمه الآن بأنه عنصري في وقت كان هذا الحزب وراء إنهاء العبودية مع الرئيس الجمهوري إبراهام لنكولن سنة ، كما كان وراء إدراج حقوق الإنسان والدفاع عن الحريات في العلاقات الدولية، وكان وراء أكبر عملية تسوية أوضاع المهاجرين غير القانونيين في الغرب، وحدث ذلك خلال رئاسة رونالد ريغان، والضبط القرار الذي صدر يوم 6 نوفمبر 1986.
أمام هذه التطورات، قد يجد المتطرفون أنفسهم بدون فضاء حزبي، وهذا سيدفعهم بدون شك الى الرهان على تأسيس حزب قومي متطرف في الولايات المتحدة على شاكلة ما ظهر في أوروبا مؤخرا مثل الجبهة الوطنية في فرنسا وفوكس في اسبانيا.
لقد نجح الحزب الديمقراطي في احتضان جناحه اليساري الذي يمثله بيرني ساندرز، وحال دون ظهور حركة يسارية قوية في هذا الوقت الحساس، مكونة من الشباب قد تضعف الحزب الديمقراطي وتشكل شوكة جديدة مثلما يشكله الحزب الليبرتاري الذي يحرم الديمقراطيين من مئات الآلاف من الأصوات. واستبعد تصويت التيار اليساري على شخصية مستقلة كما وقع سنة 2000 عندما تقدم رالف نادر كمرشح مستقل وحرم آل غور من الفوز على جورج بوش الإبن لاسيما وأن الانتخابات حسمت بأصوات قليلة لا تتعدى المئات في ولاية فلوريدا.
وما نجح فيه الحزب الديمقراطي، لن ينجح فيه الحزب الجمهوري مستقبلا، من الصعب الحفاظ على وحدته هذه المرة بسبب أنه سقط رهينة سياسة ترامب. وهكذا، سيرحل ترامب عن الرئاسة، وسيترك للبلاد سما سياسيا وهو تطور الجناح المتطرف في الحزب الجمهوري الى حزب على شاكلة الأحزاب القومية الأوروبية المتطرفة.

Sign In

Reset Your Password