تحسبا لانهيار السعودية جرى غزو العراق/ حسين مجدوبي

صورة من شريط حول حرب العراق

في حلقة من حلقات البرنامج الفرنسي “رؤية المفكر”، الذي يبث فقط في موقع يوتيوب، ويتابعه مئات الآلاف، استهزأ أحد مديري الاستخبارات الفرنسية، والمسؤول عن مديرية التجسس الاقتصادي سابقا آلان جويي بالصحافة، لأنها أحيانا لا ترى الواقع وتقوم بتغليط الرأي العام، عمدا أو سهوا. ومن ضمن ما كشفه في الحوار أحد الأسباب الرئيسية لحرب 2003 ضد العراق وهي خوف الولايات المتحدة من انهيار العربية السعودية.
هذا المسؤول الذي ألف عددا من الكتب في السياسة الدولية، خاصة ذات الطابع الجيوسياسي، يبرز في الحلقة التي هي ضمن أرشيف البرنامج، كيف لا تمتلك الصحافة ذاكرة تاريخية للأحداث، وترتبط فقط بلحظة الحدث، من دون وضعه في إطاره العام، خاصة التاريخي والجيوسياسي من أجل فهم أعمق.
وفي البرنامج يسخر من استمرار الكثيرين في العالم تبرير الحرب الأمريكية -البريطانية ضد العراق سنة 2003، بتوفر هذا البلد على ما يفترض أنه أسلحة الدمار الشامل، بينما الواقع شيء آخر، حيث يتحدث عن رواية مهمة للغاية، ويقول في معرض حديثه في البرنامج “لقد كانت الولايات المتحدة متخوفة من انهيار النظام الملكي السعودي، ووقوع البلاد في فوضى عارمة، وبالتالي ستخسر مصادر النفط، وتحسبا لهذا السيناريو قررت غزو العراق لتعويض النفط السعودي، ولأن العراق كان منهوك القوى لا يستطيع المقاومة جراء آثار الحصار”. ويضيف عاملا آخر، ولم يكن وقتها حاسما، ولكنه مهم وهو، قرار صدام حسين بيع النفط باليورو وليس بالدولار، وهو ما لا تتسامح به واشنطن. ويبرز كيف جرى تنظيم أكبر عملية تغليط للرأي العام في العالم من خلال رواية أسلحة الدمار الشامل، حيث جرى التأثير على الرأي العام العالمي لكي يقبل “حقيقة واحدة”.
ما كشف عنه آلان جويي حول السعودية ليس جديدا، بل كان يدور في الغرب ولكن بشكل غير رسمي ومحدود، ويأتي هذا الشخص المنتمي إلى الإستبلشمنت الفرنسي والغربي، والمسؤول عن إعداد التقارير السرية، ليؤكد هذه الرواية، التي تبقى مجهولة من طرف الرأي العام السعودي والعربي والدولي، لكن أهمية الحوار تتجلى في توجيهه انتقادات قوية لوسائل الإعلام التي لا تقف دائما على عمق الأحداث، والأسباب الحقيقية، رغم وجود الحقائق أمام أعينها وتسقط ضحية “فايك نيوز”، التي  يمارسها الجميع بما فيها الحكومات ومنذ القديم، وليس نتائج السنوات الأخيرة، كما يريد البعض إيهام الناس. وينتقد آلا جويي الصحافيين لاعتمادهم على وكالات الأنباء التي تبقى هي المصدر لغالبية الأخبار، ولا يقومون بالتحقق منها، بل نشرها وكأنها من المسلمات. وينطلق من خبرته كأحد مديري الاستخبارات الفرنسية، التي من مهامها التحقق من الأخبار والمعلومات، بحكم أن القرار السياسي، خاصة في العلاقات الدولية يجب أن يبنى على حقائق وليس على معلومات غير صحيحة، ليبرز أنه على الأقل 20% من الأخبار التي تنشرها يوميا وسائل الإعلام غير صحيحة. وينتظر من المؤرخين الانكباب على دراسة الكثير من الأحداث التي شهدها العالم مثل، حرب العراق، وتدخل الحلف الأطلسي، في البوسنة والهرسك، والتدخل الأوروبي في ليبيا، لتقديم الرواية القريبة من الواقع والحقيقة، وتصحيح الكثير من المعلومات والأفكار الخاطئة السائدة. وتماشيا مع أفكار آلان جويي وارتباطا بصحافة عالمنا العربي، فعمليا، تعاني الصحافة العربية، سواء المكتوبة أو قنوات التلفزيون من عائقين، الأول هو اعتمادها بشكل أعمى على كبريات وكالات الأنباء الدولية مثل، رويترز وفرانس برس وأسوسيشد برس، وأضافت مؤخرا الاعتماد على كبريات الجرائد مثل “نيويورك تايمز” و”واشنطن بوست” و”لوموند” و”الغارديان”. وأصبحت بعض القنوات والجرائد، وهي تقدم ملخص الصحافة الدولية وترفعها إلى مصاف الكتاب المقدس بالنسبة للمؤمن، لا صوت يعلو على صوت “نيويورك تايمز”. لكن لنتساءل: ماذا لو قمنا بتحليل كمي ونوعي للأخبار والتحاليل التي نشرتها هذه الجرائد حول الشرق الأوسط، سيتفاجأ الباحث بنسبة الأخطاء في المعلومات والتحليل، ورغم ذلك، تستمر هي المصدر والمرجع بدون تمحيص ولا تدقيق من قبل الإعلامي العربي.

لديّ صديق كان أستاذا للعلوم العسكرية في مدرسة رفيعة في الولايات المتحدة، وغالبا ما يستهزأ بما تنشره الصحف، ويقول لي: هناك أحداث لا ينتبه لها الإعلاميون، ويستحضر فرضية الحرب بين إيران والولايات المتحدة، ويؤكد “سنة 2011 نجحت طائرة مسيرة إيرانية في التحليق فوق حاملة طائرات أمريكية، في تلك اللحظة، اقتنع عدد من الجنرالات الأمريكيين بصعوبة الحرب مع إيران، لأن طائرات مسيرة محملة بالمتفجرات قادرة في هذه الحالة على إغراق حاملة للطائرات، التي تعادل لوحدها أو تتفوق على قوة جيش لدولة أوروبية متوسطة، وبعد نجاح إيران في إسقاط الطائرة المسيرة غلوبال هاوك خلال يونيو/حزيران الماضي أصبح اقتناعهم راسخا باستحالة الفوز في الحرب، باستثناء ما إذا تم استعمال السلاح النووي أو حرب مفتوحة تدوم سنوات، لهذا اقتصر الحديث بحتمية شن الولايات المتحدة الحرب ضد إيران على الإعلاميين الذين لا يفقهون كثيرا في الأمور العسكرية، بينما خبراء الحروب، خاصة من الجنرالات السابقين يستبعدون هذه الحرب”. ويضيف “الاقتناع نفسه بصعوبة الانتصار على حزب الله، وصلت إليه إسرائيل في حرب يوليو/تموز 2006 عندما نجح حزب الله في ضرب البارجة الإسرائيلية في عرض البحر”، ويقدم مثالا آخر “عندما نجح الحوثيون بصواريخ باليستية غير متطورة بما فيه الكفاية، في ضرب العمق السعودي، مطار الرياض نهاية 2017، ولم تنجح صواريخ باتريوت في اعتراضها، تم دق كل نواقيس الخطر لدى الجيش الأمريكي، لم يعد الأمر يتعلق باستحالة انتصار السعودية والإمارات في الحرب على اليمن، بل العجز المرتقب للباتريوت أمام صواريخ إيران، والأخطر أمام صواريخ روسيا والصين وكوريا الشمالية”.
هذا التخوف والقلق عكسه تقرير مهم صدر عن مؤسسة ميدلبوري للدراسات الدولية في مونتي راي بولاية كاليفورنيا الذي تساءل بدوره عن فعالية التكنولوجيا الأمريكية في اعتراض الصواريخ. هذا الصديق يقول “أترك العاطفة جانبا، وانس الأيديولوجيا والتصريحات الرنانة للزعماء السياسيين، عند التحليل، عد إلى معطيات الواقع التي تكون منعطفا، والتي لا ينتبه لها الغالبية بسبب سياسة التغليط وستجد الجواب، لكن الصحافي عموما لا ينتبه لهذه المعطيات فيردد في الكثير من الأحيان مثل الببغاء ما يرغب الآخرون في تسريبه”.

Sign In

Reset Your Password