بعد العفو عن مغتصب الأطفال غالفان، الدولة تغتصب “شرف الوطن” باسم “مصلحة الوطن في تبريرها الجريمة/ د. حسين مجدوبي

العاهل المغربي الملك محمد السادس الذي تسبب عفوه عن غالفان في أكبر فضيحة أخلاقية في عهده يوشح وزير العدل مصطفى الرميد الذي يبرر العفو بالمصلحة العليا للوطن

أصدرت وزارة العدل والحريات المغربية بيانا للرأي العام المغربي تبرر أنه باسم “المصلحة العليا للوطن” جرى الإفراج عن دنييل غالفان المجرم مغتصب 11 طفلة وطفلا بموجب عفو ملكي صادر عن الملك محمد السادس. والبيان يدفعنا الى التساؤل، هل يتعلق الأمر بالمصلحة العليا للوطن أم بإعادة اغتصاب رمزي للوطن بمصوغات واهية لا تستند للواقع في محاولة لتبرير خطئ فادح وخطئ تاريخي.

حجم الخطئ الفادح الذي من الصعب محوه من ذاكرة المغاربة على شاكلة فضائح أخرى مثل فضيحة ضابط الشرطة ثابت الذي اغتصب مئات النساء في الدار البيضاء وافتضح أمره في بداية التسعينات يخلف استياءا لا سابقة له وسط المغاربة الذين يعتبرون أن كرامتهم مست بشكل لم يسبق له نظير وأن الملك محمد السادس لم يكن في مستوى التطلعات ويراجع العفو الصادر عنه في جريمة يشمئز منها الضمير الإنساني. وإن كان ثابت قد تعرض لعقوبة الإعدام وهو ما أنصف شعور المغاربة، فغالفان حظي بعفو ملكي.

وتعجز السلطات المغربية، القصر  والحكومة، عن تقديم توضيح مقنع للرأي العام. ولجأت وزارة العدل، بعد تقاعس الناطق الرسمي بالقصر الملكي، الى توقيع بيان يومه الجمعة يتضمن أن “قرار العفو عن مواطنين إسبان، من بينهم دانيال فينو غالفان المتهم باغتصاب أطفال مغاربة، هو قرار ملكي أملته مصالح وطنية “.

والبيان يحمّل بطريقة ذكية المسؤولية للمؤسسة الملكية بتسطيره على أن العفو “قرار ملكي”. وبقدر ما يحاول إيجاد تبرير للعفو بقدر ما يضع الملك في مأزق مع الرأي العام ومفاده “هل يمكن لأمير المؤمنين حامي أعراض الناس وخاصة الصغار بموجب بيعة إسلامية أن يعفو عن مغتصب أطفال أبرياء”.

وبيان وزارة العدل يستحق وقفة للتأمل والتساؤل “هل يمكن توظيف المصلحة العليا للوطن” لتبرير الإفراج بعفو ملكي عن مجرم من طينة غالفان، وما هي هذه المصلحة العليا للوطن في هذه الحالة؟

حالة غالفان على ضوء مفهوم المصلحة العليا هو أن عدم العفو عنه يعني اتخاذ اسبانيا قرارات قد تمس مصالح المغرب سلبا. ونتساءل، هل استمرار مجرم مثل غالفان سيجعل اسبانيا تغير موقفها من الصحراء في دعم أكثر للبوليساريو؟ الجواب لا، لأنه خلال زيارة الملك خوان كارلوس للمغرب، امتنعت حكومة مدريد على ذكر مقترح الحكم الذاتي في البيان النهائي للزيارة، كما فرضت على المغرب استعمال مصطلح الصحراء الغربية. يحدث هذا في وقت توجد فيه مدريد في موقف ضعف لأنها تتساءل هل سيستغل المغرب وضع اسبانيا الضعيف بشأن مطالب كتتالونيا ويؤيد الانفصاليين كرد على تأييد مدريد لعقود البوليساريو بطريقة أو أخرى.

هل لغالفان علاقة بسبتة ومليلية؟  بمعنى هل الإفراج عن غالفان سيجعل إسبانيا تعمل على تليين موقفها من المدينتين المحتلتين؟ الوقائع تفيد بالعكس، إذ ولأول مرة في تاريخ العلاقات بين البلدين يسحب المغرب من كل تصريحاته الإشارة الى المدينتين، وقد لا نبالغ إذا قلنا أن الأحزاب الكلاسيكية توصلت بتوصية تطلب منها تفادي ذكر استعادة المدينتين.

هل استمرار غالفان في السجن قد يؤدي الى إفشال صفقة عسكرية اسبانية للمغرب؟ اسبانيا ترفض بيع المغرب أسلحة متطورة ولا المغرب يشتري أسلحة متطورة من عنها. ومن ضمن الأمثلة، رفض المغرب شراء غواصات متقدمة من اسبانيا وفضل دول أوروبية أخرى.

هل استمرار غالفان في السجن سيجعل الرأي العام الإسباني وأحزابه تستعدي المغرب في ملفات حساسة مثل الصحراء والملكية؟ الرأي العام الإسباني يستعدي قضايا المغرب الحيوية منذ أبد بعيد، ولا يمكن للحكومة الإسبانية أو الملك نفسه خوان كارلوس تقديم أي خدمة في هذا الصدد.

عندما يتعلق الأمر بالمصلحة العليا للوطن، تكون هناك مؤشرات تقنع صناع الرأي  العام والنخبة التي تلمس ذلك بطريقة أو أخرى. في الحالة التي نحن بصددها، لا يوجد أي مؤشر يجعل المغرب يستفيد من العفو الملكي عن مجرم من طينة غالفان سوى أنه يقدم خدمات مجانية وعرّض مصالحه للخطر. ويكفي تأمل صورة الملك محمد السادس كيف أصبحت لدى الرأي العام المغربي والدولي بعد العفو عن مغتصب للأطفال.

في الأمس، اغتصب مجرم براءة أطفال وحصل على عفو ملكي في وقت كان على الملك حماية الضعفاء، والآن تغتصب السلطات المغربية بهذا البيان “شرف الوطن” بادعاءها بأن العفو جاء خدمة لمصلحة الوطن.

Sign In

Reset Your Password