بؤر كورونا المغربية… لماذا انتشر الفيروس وسط عمال المصانع؟عبد اللطيف الحماموشي

عملات من حقول الفراولة بإقليم العرائش

اكتشفت العاملة المغربية سعيدة الكتامي إصابتها بفيروس كورونا المستجد في 22 إبريل/ نيسان الماضي، بعد أسبوع واحد من توقفها عن العمل في مصنع للنسيج والخياطة بمدينة طنجة، إذ أجرت التحليل المخبري الكاشف عن الفيروس بعد ظهور إصابات وسط عُمّال الشركة التي لم توفّر شروط السلامة والوقاية من الفيروس، مثل قياس درجة حرارة العمّال والموظفين عند دخولهم إلى مقرّها، وإتاحة المعقمات والكمّامات، في ظل انعدام التباعد الجسدي، وفق ما تقول لـ”العربي الجديد”.

إصابة الكتامي وزملائها ترجع إلى غياب تفعيل شروط الوقاية الصحية من الفيروس المحددة في البلاغ المشترك بين وزارة الشغل والإدماج المهني ووزارة الصناعة والتجارة والاقتصاد الأخضر والرقمي الصادر في 16 مارس/ آذار 2020، ومقتضيات قانون الشغل المغربي، من المادة 304 إلى المادة 344، وهو ما دفع مصطفى الشناوي، عضو لجنة القطاعات الاجتماعية المعنية بقطاع الصحة والتشغيل والصناعة بمجلس النواب عن فدرالية اليسار الديمقراطي والطبيب المتخصص في مجال الشغل المعني بالسلامة الصحية للعمّال، إلى التحذير من استمرار تفشّي فيروس كورونا بين عمّال الوحدات الصناعية المغربية، واصفا الرقابة الحكومية على تلك الوحدات بـ”شبه المنعدمة”، حسب ما وثّقه شخصيًا، وهو ما ساهم في تعميم ظاهرة البؤر الصناعية الحاضنة لفيروس كورونا على ربوع التراب المغربي، كما يقول لـ”العربي الجديد”.
كيف تفشى الفيروس في المصانع؟

يكمن السبب الرئيسي لتفشيّ فيروس كورونا داخل الوحدات الصناعية منذ أواسط إبريل/ نيسان 2020 في عدم احترام شروط السلامة الصحية داخل تلك الوحدات، والمحدّدة في: إلزامية ارتداء العمّال والموظفين للكمّامات الواقية، تعقيم مقرّ العمل بشكل دوري، قياس درجة حرارة العمّال قبل دخولهم لمقرّ العمل، ثمّ الاعتماد على التباعد الجسدي المحدد على الأقل بمتر واحد، وفق ما أقرّه “بروتوكول تدبير خطر العدوى بوباء كوفيد 19 في أماكن العمل”، الصادر عن وزارة الشغل والإدماج المهني ووزارة الصناعة والتجارة والاقتصاد الأخضر والرقمي في 28 مايو/ أيار، وفق ما قاله لـ”العربي الجديد”، البروفيسور عبد الرحمن بن مامون، الطبيب المتخصص في علم الفيروسات والرئيس السابق لقسم الأمراض المنقولة بمديرية الأوبئة بوزارة الصحة المغربية.
وأعلنت وزارة الصحة، في نشرتها اليومية المصوّرة والمذاعة على التلفزة الرسمية، يوم 15 إبريل/ نيسان 2020، عن اكتشاف أوّل بؤرة صناعية. فيما أقرّ سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة المغربية، بأنّ %56 من الإصابات بالفيروس سُجّلت في بؤر عائلية وتجارية وصناعية، بمعدّل 3800 إصابة، وفي 467 بؤرة، 20% منها بؤر صناعية. أي أنّ 760 إصابة بالفيروس ناتجة عن “البؤر الصناعية”، من أصل 6952 إصابة مسجلة حتى 18 مايو/ أيار 2020، وذلك بحسب نص محضر الجلسة المشتركة لمجلسي البرلمان المؤرخ في 18 مايو 2020.
وتؤكد تجربة العاملة رشيدة كريم (اسم مستعار بطلب منها خوفًا من التعرض لمضايقات في العمل)، وهي إحدى المصابات بفيروس كورونا، ما وصل إليه البروفيسور مامون، حول أسباب انتشار الفيروس في المصانع، إذ تصف كريم ظروف عملها بمجموعة متخصصة في صناعة الأحذية، يقع مقرّها بالمنطقة الصناعية سيدي البرنوصي بمدينة الدار البيضاء قائلة: “تمدّنا إدارة المجموعة يوميًا بكمّامة واحدة في الفترة الممتدة من الثامنة صباحًا إلى الرابعة مساءً. لا تتم مراقبة درجة حرارة العمّال عند الولوج إلى مقرّ الشركة أو الخروج منه. ونعمل بشكل مشترك، دون أيّ مسافة أمان بيننا، والحذاء الواحد الذي نساهم في تصنيعه يمرّ على أيدي ثلاثين عاملاً وعاملة، دون تعقيم لليدين”.
ويقدّر نور الدين الرياضي، الناشط العمّالي وعضو الجمعية المغربية لحقوق الإنسان فرع البرنوصي (منظمة حقوقية غير حكومية حاصلة على صفة المنفعة العامة)، عدد الإصابات التي نتجت عن بؤرة مصنع صناعة الأحذية بـ430 إصابة، بناءً على تواصله المستمر مع عمّال المجموعة والفاعلين النقابيين بقصد تجميع وتوثيق عدد الإصابات، في ظلّ غياب إحصاء رسمي من وزارة الصحة أو المجموعة، كما يقول لـ”العربي الجديد”. فيما أكّد مصدر مسؤول داخل المجموعة نفسها في اتصال مع معد التحقيق، تفشّي الفيروس بين عمّال المجموعة، وقدر عدد الإصابات ما بين 350 و450 إصابة وسط العمّال وعائلاتهم، منذ تسجيل أوّل إصابة في 27 إبريل/ نيسان. وبحسب المسؤول نفسه، فإنّ المجموعة عادت للعمل منذ فاتح يونيو/ حزيران 2020.
صابة موزع الكمامات بالفيروس

يعتبر إبراهيم الشويخ، النائب بمجلس النواب المغربي عن حزب العدالة والتنمية القائد للائتلاف الحكومي، ورئيس الجماعة الترابية لالة ميمونة (شمال العاصمة الرباط)، أنّ من بين أسباب تفشّي فيروس كورونا داخل الوحدات الصناعية – الفلاحية الخمس الخاصة بقطف وتجفيف وتعليب فاكهة الفراولة بمنطقة لالة ميمونة التابعة لنفوذه الإداري، عدم احترام شروط السلامة والوقاية الصحيّة في الجانب المتعلّق بالتباعد الجسدي بين العمّال، إذ كان جليًا أنّ أغلب الوحدات تُكدّس عُمّالها في ناقلات وشاحنات دون أي تباعد جسدي يُذكر، لنقلهم من مكان العمل وإليه، ما أدّى إلى تسجيل إصابة 617 عاملا بفيروس كورونا، دون احتساب المخالطين، منذ الفترة الممتدة من 7 يونيو/ حزيران إلى 19 يونيو 2020، بعد إجراء 4000 اختبار كاشف عن الفيروس خلال هذه المدة، وفق ما قاله لـ”العربي الجديد”، فيما أقرّ وزير الصحة المغربي بتسجيل 900 إصابة بالفيروس على خلفية بؤر لالة ميمونة، وذلك أثناء حضوره لجلسة الأسئلة الشفهية المنعقدة بمجلس المستشارين في 23 يونيو 2020.
وطالب بعض سكّان جماعة لالة ميمونة بتوقف الوحدات الصناعية – الفلاحية المنتجة للفراولة عن العمل، قبل ظهور الحالة الأولى في 7 يونيو 2020، نتيجة ملاحظتهم للاكتظاظ الظاهر على مستوى نقل العمّال، بحسب تصريح الشويخ. فيما يؤكد عادل تشيكيطو، رئيس العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان (منظمة غير حكومية)، العضو السابق بلجنة القطاعات الاجتماعية بمجلس النواب عن حزب الاستقلال، توثيق جمعيته لمطالب عدد من عمّال تلك الوحدات الواقعة بجماعة لالة ميمونة، تصبّ جلها في تعميم التحاليل المخبرية الكاشفة عن الفيروس، بعد الشكوك التي حامت حول إصابة موظّف كان يوزّع الكمّامات على العمّال بفيروس كورونا، في السادس من مايو/ أيار 2020.
من المسؤول عن تفشي الفيروس؟

يحمل الدكتور مصطفى الشناوي مسؤولية تفشي فيروس كورونا المستجد في الوحدات الصناعية المغربية، بشكل مشترك للقطاع الخاص والحكومة، لافتا إلى أن جذور المشكلة تعود إلى ما قبل كورونا، إذ إنّ مقتضيات قانون الشغل المتعلقة بالسلامة الصحية للعمال لم تكن مفعّلة من قبل، والمحددة في إحداث لجان السلامة وحفظ الصحة من لدن المقاولات الصناعية التي يشتغل فيها خمسون أجيرًا على الأقلّ، على أن يترأسها المشغل أو من ينوب عنه، وتضم طبيبًا للشغل، ومندوبين عن العمال وممثلين نقابيين، بحسب المادة 336 من قانون الشغل.

ويضيف الشناوي في تصريحه لـ”العربي للجديد”، أن أغلب المقاولات لا تتوفّر على طبيب الشغل الذي يلعب دورًا وقائيًا، إذ يضطلع بمراقبة شروط النظافة العامة في المقاولة ومراقبة مدى ملاءمة منصب الشغل للحالة الصحية للأجير، وفق المادة 321 من قانون الشغل، وهو ما لا يطبق، حسب قوله، بسبب عدم فعالية الرقابة الحكومية على الوحدات الصناعية، بفعل الموارد البشرية الضئيلة التي تتوفر عليها وزارة الشغل والإدماج المهني.

ويوافقه في الرأي الخبير في العلاقات الشغيلية عبد الله لفناتسة، المنسق الوطني لشبكة تقاطع (منظمة تعنى بالحقوق الشغلية تظم هيئات مدنية ونقابات عُمّالية)، والذي يعتبر أنّ جهاز تفتيش الشغل التابع لوزارة الشغل والإدماج المهني الموكَّل له قانونًا مراقبة احترام الوحدات الصناعية لشروط السلامة الصحية سائر في الانقراض، إذ يبلغ عدد مفتشي الشغل 317 مفتشًا على الصعيد الوطني، بحسب ما صرّح به وزير الشغل والإدماج المهني في 3 يناير/ كانون الثاني 2020 أثناء حضوره لندوة تواصلية عقدها حزب العدالة والتنمية بمدينة أكادير (جنوب غرب المغرب).

وعن غياب دور الرقابة القبلية لمفتش وطبيب الشغل على الوحدات الصناعية واحترام شروط السلامة لكبح انتشار فيروس كورونا، يقدّم لفناتسة مثالًا وثّقته شبكة تقاطع، إذ بحسبه واجه عمّال شركة Emotechnic المنتجة للمواد شبه الطبية الكائن مقرها بحي عين السبع بالدار البيضاء الفيروس وهم عُزّل دون أيّ دورٍ يذكر لمفتشيّة الشغل، ما جعلهم ينظمون احتجاجًا أمام مقر الشركة المذكورة في 13 أبريل للتنديد بانعدام شروط الوقاية من الفيروس، والمطالبة بتعميم الاختبارات الكاشفة عن كوفيد 19 بعد تسجيل إصابة واحدة بين عُمّال الشركة. ويضيف لفناتسة في تصريحه لـ “العربي الجديد” أنه تم تسجيل إصابة أزيد من سبعين حالة بالفيروس، موزعة بين عُمّال الشركة المذكورة وعائلاتهم.

النتائج السابقة تؤكد أنّه كان من المفروض أن تتوقف المقاولات غير المنتجة للسلع والمواد الأساسية للعيش عن العمل، كتلك التي لا تعمل في مجال التغذية أو المواد الطبية وشبه الطبية كما يؤكد الدكتور عبد اللطيف زروال، الباحث المستقل في علم الاقتصاد والتدبير، ويُوافقه في الرأي الحقوقي والبرلماني السابق عادل تشيكيطو، والذي يرى أن مصلحة العمّال والمجتمع ككل يجب أن تتفوق على المصلحة الربحية للشركات، خصوصًا تلك التي لا علاقة لها بمتطلّبات المواطن الآنية كصناعة الأحذية.
رد وزير الشغل والإدماج المهني

يؤكدّ محمد أمكراز، وزير الشغل والإدماج المهني، لـ”العربي الجديد”، على اتخاذ المصالح المختصة بوزارة الشغل والإدماج المهني عدة إجراءات لمواجهة مرض “كوفيد 19″، إذ إنّ الأخيرة واكبت وأطّرت الوحدات الإنتاجية، وكذا الأجراء العاملين فيها من خلال تنظيم حملات للتوعية والتحسيس لتطبيق التدابير الاحترازية للوقاية من تفشي الفيروس.

ويضيف وزير الشغل والإدماج المهني في حديثه، أنه تمّ “إحداث لجان مشتركة بين كل من وزارة الداخلية ووزارة الصناعة والتجارة والاقتصاد الرقمي والأخضر ووزارة الصحة ووزارة الشغل والإدماج المهني بقصد القيام بزيارات للمقاولات للتحقق من مدى احترامها للتدابير الاحترازية الصحية المقررة لمواجهة فيروس كورونا، وفق التفصيل التالي: احترام المسافة الموصى بها بين الأجراء، قياس درجة حرارة جميع الأجراء بالمؤسسة عند ولوج مقرات العمل، السماح للأجير بالبقاء في المنزل في حال وجود أعراض مشكوك فيها، التهوية الجيدة لأماكن العمل، تقديم تسهيلات للنساء الحوامل والعمال المصابين بأمراض مزمنة أو عجز مراعاة لحالتهم الصحية بعد استشارة طبيب الشغل، إعداد تقرير من طرف طبيب الشغل بالمقاولة حول التدابير الوقائية المتخذة للتصدي لفيروس كورونا وإرساله إلى الطبيب مفتش الشغل”.

لكن بحسب عرض وزير الشغل والادماج المهني المتضمّن في محضر الاجتماع المنعقد من لدن لجنة القطاعات الاجتماعية بمجلس النواب في التاسع من يونيو 2020، فإن “عدد المقاولات التي نُظمت لها زيارات ميدانية، ما بين 15 أبريل و04 يونيو الجاري، بلغ ما مجموعه 10546، من بينها %85 احترمت التدابير الاحترازية للوقاية من فيروس كورونا”.

وتنتقد سميرة الرايس، نائبة الكاتب العام لنقابة الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي، تغييب الحكومة للنقابات العمّالية في تشكيلة اللجان المشتركة لمراقبة التزام الوحدات الصناعية-الفلاحية بالتدابير الاحترازية للوقاية من فيروس كورونا. وتعتبر المتحدثة أن فعالية هذه اللجان لم تظهر على أرض الواقع، بفعل استمرار تسجيل تصاعد الإصابات بالفيروس وسط العمّال منذ الفترة الممتدة ما بين أواسط أبريل إلى نهاية شهر يونيو 2020، وفق ما جرى توثيقه في الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي.

Sign In

Reset Your Password