انحسار الديكتاتوريات والمثقفين الانتهازيين أمام عودة الربيع العربي-الأمازيغي

الربيع العربي في لبنان

عاد الربيع العربي، أو عادت الموجة الثانية من الربيع العربي، وفق الانتفاضات ضد الفساد التي يشهدها العالم العربي في الوقت الراهن. وهذا يجر إلى تساؤلين رئيسيين، الأول: ماذا ستفعل الدول المعادية للديمقراطية في العالم العربي، أو ما يسمى الدول المضادة لثورة الكرامة والديمقراطية؟ ويتجلى التساؤل الثاني في كيف هو حال المثقفين الذين تخندقوا مع الديكتاتوريات ضد تطلعات الشعوب؟
انطلق الربيع العربي خلال بداية 2011 مع انهيار نظام الديكتاتور زين العابدين بن علي، ليحصد تسونامي الانتفاضات أنظمة عاثت فسادا  مثل المصري حسني مبارك والليبي معمر القذافي، وإنهاء حكم عبد الله صالح في اليمن. وتحرك محور الديكتاتوريات لإفساد هذه المحطة البارزة في تاريخ الشعوب، التي تعيش في المجال الذي يطلق عليه العالم العربي، وهي تضم شعوبا مختلفة إثنيا وثقافيا، خاصة في شمال افريقيا.
ووظفت الديكتاتوريات الغنية مثل، الإمارات العربية والسعودية المال والسلاح بغية إنهاء الثورات، مستغلة أخطاء وانتهازية الحركات التي تتحدث باسم الدين الإسلامي، التي التحقت بركب الانتفاضات متأخرة، وتسببت في الكثير من المآسي، اعتقادا منها بعودة حقبة الفتوحات الإسلامية والاستثناء الإسلامي بدل فجر الديمقراطية. وقعت الديكتاتوريات في خطأ جسيم وهو، غياب الوعي لديها بأن الربيع العربي ليس حدثا تاريخيا محصورا في الزمن، وإنما هو مسلسل مستمر في التاريخ، لسبب بسيط وهو الوعي القوي والعميق، الذي أصبح لدى الشعوب بضرورة الالتحاق بركب الشعوب التي تعيش في كنف الكرامة والحرية، بدل العيش في كنف المذلة تحت سقف «الأخ الكبير» بمفهوم رواية جورج أورويل «1984».
الربيع العربي أصبح بمثابة سيف ديمقليس ضد الديكتاتوريات، فرغم البطش الرهيب الذي يمارسه نظام عبد الفتاح السيسي من تقتيل واعتقال الآلاف، إلا أنه يعيش في رعب حقيقي من عودة انتفاضة الشارع، إذ لم يعد يغمض له جفن بمجرد بدء محمد علي بث أشرطة تحريضية على التغيير، في مواقع التواصل الاجتماعي، ويتخوف من  وقوع حركة تصحيحية وسط المؤسسة العسكرية، بعدما بدأت مصر تفقد هيبتها جراء اعتمادها على المساعدات بشكل مفرط، وبدء فقدانها للنيل، الأوكسجين الثاني للشعب بعد الأوكسجين الحقيقي نتيجة سد النهضة الإثيوبي. لكن الأساسي وهو امتداد رقعة الربيع العربي إلى السودان، الذي حصد نظام عمر البشير بعد انتفاضة مدنية رائعة بمشاركة مختلف أطياف اللون السياسي والإثني في هذا البلد. وأنهى حكم عبد العزيز بوتفليقة في الجزائر، الذي أراد أن يتحول إلى ملك في بلد المليون شهيد. ويدق الربيع العربي بقوة أبواب لبنان والعراق الآن، مطالبا بنهاية الحكم الطائفي والفساد الطائفي، ورغم سقوط مئات القتلى، يصر العراقيون على إنهاء عهد الوصاية الطائفية، والانتقال إلى عهد الحرية. ولا يستثني الربيع العربي أنظمة ملكية، فهو يهدد كل من الأردن والمغرب الغارقين في الفساد.

وعليه، ماذا سيفعل محور الديكتاتوريات المضادة للثورة، وأساسا الإمارات العربية والسعودية أمام الموجة الجديدة من الربيع العربي؟ معطيات الواقع تبشر بانحسار دور هذه الديكتاتوريات وضيق مجال المناورة. فلم تعد تمتلك الأموال لكي تهطل مثل الرز على الديكتاتوريات الفقيرة مثل ديكتاتورية مصر لتنعشها اقتصاديا، بل بدورها أصبحت تعاني ماليا، ولاسيما السعودية التي بدأت في تأميم أرامكو، والاستدانة من الخارج نتيجة الفساد المالي وخسائر حرب اليمن. في الوقت ذاته، لم تعد تمتلك القدرة على التفكير الاستراتيجي الصحيح والصائب للتمدد لتنفيذ مخططاتها في الخارج، بعدما جعلتها حرب اليمن وتكتيك الحوثيين تفكر في تفادي الهزيمة، لأن حدوث أي هزيمة قد يحمل معه انعكاسات داخلية خطيرة خاصة في العربية السعودية، حيث بدأت أحلام العظمة لدى ولي العهد محمد بن سلمان تتلاشى أمام قوة الواقع المعاش.
ويمتد التساؤل إلى موقف المثقفين الانتهازيين الذين تحولوا إلى بوق لمحور الديكتاتوريات المضادة للثورة. فقد أبدع مثقفون من الخليج إلى المحيط في تبرير الردة الديمقراطية، متحججين بخطر الإسلام السياسي، لكن التخوف من الخطر الإسلامي لا يعني السقوط في دعم الأنظمة الفاسدة الفاقدة للشرعية السياسية والديمقراطية، وهو دعم مقابل العطاء المادي. لم يعد أمام هؤلاء الانتهازيين من دور في الحديث عن الموجة الجديدة من الربيع العربي، لأن مبرراتهم الواهية التي شرعنت للاغتيال والاعتقال، واستمرار الفساد، تهاوت وتلاشت أمام التطورات، ومنها انخراط الشعوب بمختلف أطيافها بدون هيمنة أي معتقد ديني أو أيديولوجي  في معركة الحرية والكرامة. المواقف المخجلة لهؤلاء يجب أن لا يطويها النسيان، وللتاريخ ذاكرة قوية، خاصة في هذا الوقت الذي يشهد فيه التدوين والتأريخ قفزة نوعية كبرى، إذ أصبحت كل وسائل التواصل الحديثة تحتفظ بكل شيء، مهما حاول مزيفو التاريخ تزييف الأحداث. ويحدث أحيانا أن يكون للديكتاتور مبرراته السياسية في تبني مواقف معادية للديمقراطية، لكن حامل القلم والكلمة لا مبرر له، لأن الكلمة عبر التاريخ يجب أن تكون مرادفا للحرية وليس مرادفا للاستبداد.
لقد حلت الموجة الثانية من الربيع العربي، لتعيد القطار إلى سكته الحقيقية، سكة غير خالية من العراقيل، لكن الأساسي هو أنه نهضة أكثر منه تحولا محصورا في الزمن، هو نهضة نحو تحول عميق في تاريخ شعوب الشرق الأوسط وشمال افريقيا، لهذا سيتجاوز دبابة الديكتاتوريات وقلم المثقفين الانتهازيين.

Sign In

Reset Your Password