الولاية الرئاسية الخامسة لبوتفليقة كارثة تنتظر الحدوث/ توفيق رباحي

الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة

النظام الجزائري تآكل من الداخل والخارج ووصل إلى نهاية الطريق. أفلس أخلاقيا وسياسيا وماديا، وفقدَ كل أنواع الشرعية التي اختبأ وراءها أكثر من نصف قرن وحكمَ بها البلاد. أحد الذين عجّلوا بوصول قطار النظام إلى نهاية الطريق كان الرئيس بوتفليقة.
ومع ذلك، سترشح بقايا النظام بوتفليقة إلى ولاية رئاسية جديدة. المسألة تحصيل حاصل تلتقي فيها مزاجية الرئيس شخصيا ـ وعائلته ـ كونه يرفض أن يرى نفسه خارج الرئاسة طالما هو حي يرزق، مع مصالح المحيطين به والمستفيدين منه، ماديا وسياسيا ومعنويا، وهم كثيرون.
أي جدل آخر عن احتمال «تنازل» بوتفليقة، سيكون ضربا من الوهم. ومثله الجدل حول احتمال أن يفعل رجال من داخل النظام شيئا يحول دون ولاية خامسة. لا لسبب إلا لأن «المسرح خلى من الرجال».
قبل مجيء بوتفليقة كانت هناك توازنات تتمكن بموجبها المؤسسة «العسكروأمنية» من اختيار الرئيس وتسويقه. اليوم، بفعل سياسات وممارسات بوتفليقة ذاته، غابت المؤسسة ومعها التوازنات وحلَّ بدلهما الفراغ.
الولاية الرئاسية الجديدة ستكون كارثة أسوأ من سابقاتها، وأخطر. الرئيس سيكون خلالها، كما هو اليوم، بلا قدرات جسدية وذهنية كافية، ناهيك عن أنه سيقضيها مُحاصَراً في قصره من أفراد عائلته لا يقابله إلا من يرضوا عنه، ولا يمدّونه إلا بما يشاؤون من المعلومات. هذا وحده يكفي إصابة أي عاقل بالذعر.
ما الحل، وما السيناريوهات المتاحة لمواجهة كارثة تنتظر الحدوث؟
يجب بدءً استبعاد احتمال أن يخرج الشعب إلى الشارع لمنع الرئيس من الترشح. هناك أسباب عدة تحول دون ذلك، أبرزها أن الشعب يتحكم فيه خليط من الهيآت والأفراد المستفيدين من بوتفليقة والحريصين على بقائه. هناك أيضا القطيعة الهائلة بين الشعب ومحترفي السياسة من كل الأطياف والمواقع. إضافة إلى عجز خصوم النظام عن إنتاج زعامة يثق فيها الشعب وقادرة على توجيهه. المحصلة أن السياسيين، في مفهوم عامة الجزائريين، هم مرادف للفساد واللصوصية. هذا حكم فيه شيء من الصحة، وشيء من الدعاية التي مارسها، ولا يزال، الإعلام الموالي للنظام وقطعان المستفيدين من بوتفليقة على كل المستويات.
هناك أيضا الواقع الإقليمي بكل مراراته. تجارب ليبيا وسوريا واليمن وغيرها لا تشجع أحداً على تكرار المغامرة، خصوصا من شعب ذاق الويلات في تسعينيات القرن الماضي. وهذا واقع آخر يستثمر فيه الموالون لبوتفليقة إلى أبعد الحدود. والاستثمار يؤتي أُكله بدليل مشاعر الذعر المنتشرة بين الجزائريين، واستسلام كثيرين منهم لضغوط الأجهزة الداعمة لبوتفليقة ودعايات الماكينات الإعلامية الموالية له.
في مقابل انعدام فرص «ثورة سياسية» في الشارع، هناك فرص كثيرة لـ«ثورة اجتماعية» بسبب ضنك العيش وتراجع القدرة الشرائية. بات شبه مؤكد أن الجزائريين لن يخرجوا للشارع ليصرخوا «لا لولاية خامسة»، لكن لا شيء يضمن أنهم لن يخرجوا ليطالبوا بالخبز والعدالة الاجتماعية وشيئا من الكرامة الإنسانية. علامات الحياة الصعبة تُشاهَد يوميا في المدن الكبرى، وعبّرت عنها إضرابات أطباء القطاع العام والمعلمين وغيرهم.
تبدو هذه الإضرابات روتينية وتكرارا لأخرى على مدى السنوات الماضية. لكنها تختلف هذه المرة في إصرار الأطباء على التمسك بمواقفهم ومطالبهم المهنية، على الرغم من التهديدات الموجهة لهم والترهيب الذي تعرضوا له كأفراد وكمجموعة.
لقد اشتهر النظام الجزائري بقوته وقدرته على «تدوير» الحركات الاجتماعية والمهنية بسهولة ملحوظة. واستعمل في ذلك العديد من الأساليب، منها «الدوبلاج»، بشق الصفوف واختلاق نقابة أو مجموعة موازية لكل نقابة أو مجموعة تشن احتجاجا أو تهدد مصالح النظام. وعجز هذا النظام عن شق صفوف نقابة الأطباء علامة أخرى على أنه تآكل وفقدَ قوته ومهاراته السابقة.
هناك سيناريو آخر من وراء الحدود ربما يكون له بعض التأثير. في حال تدخلت فرنسا والاتحاد الأوروبي يمكن أن يتعطل قطار الولاية الرئاسة الخامسة. الاتحاد الأوروبي، بقيادة فرنسا التي تحتكر «الملف الجزائري» فيه، يمتلك الأوراق التي تشجعه على التواصل مع الجزائر العاصمة لثني من في الحكم على خوض مغامرة غير ضرورية. أبرز هذه الأوراق أمنية واقتصادية. أمنيًا، ينقسم الأمر إلى هجرة و«داعش». والمصطلحان كفيلان بإصابة الأوروبيين بالدوار. لا يحتاج الأمر إلى شرح طويل، فالتجربة الليبية تحوَّلت إلى معضلة إقليمية وأوروبية داخلية، تسببت في خلافات ولوم متبادل بين إيطاليا من جهة وبقية أعضاء الاتحاد الأوروبي من جهة أخرى. هذه التجربة المريرة تغني عن غيرها، خصوصا إذا كانت من دولة بحجم الجزائر، وتكفي لدفع القادة الأوروبيين إلى حمل فرضية انزلاق الجزائر نحو المجهول على محمل الجد.
اقتصاديا، ستعني جزائر مضطربة الكثير من الخسائر في اتجاهين. الأول فقدانها كسوق استهلاكية ضخمة لا تتوقف عن الاتساع، ثم فقدانها كمصدر موثوق ودائم وقريب للنفط والغاز.
لكن السؤال الكبير هو هل سيفعل الغرب شيئا وهو الذي بات ينحو بوضوح إلى التعايش مع الموجود، عملا بمقولة «من تعرفه أفضل ممن تجهله»؟ قبول الغرب ببشار الأسد في سوريا درس مفيد ومثال معبّر.

Sign In

Reset Your Password