الملك محمد السادس بين المساءلة والتقييم السياسي والمحاكمة التاريخية

الملك محمد السادس

ظهر رجل الدين أحمد الريسوني في مقابلة في شريط فيديو في الجريدة الرقمية لكم اليوم الخميس يتساءل عن سر غياب الملك محمد السادس في عطلة مفتوحة في فرنسا. وتصريحات الريسوني جزء من ظاهرة تنتعش في المغرب وتركز على مساءلة الملك عن قراراته بعيدا عن المفهوم الذي ساد سابقا “بقدسية أمير المؤمنين”.

ويقدم التاريخ المغربي شخصيات لم تتردد في قول الحق في مواجهة السلاطين وإن كلف ذلك  حياتها كما حصل مع العالم الكتاني الذي اغتاله السلطان مولاي عبد الحفيظ عندما طالبه بالالتزام بالبيعة، كما يقدم شخصيات دافعت عن السلاطين بمنطق التملق أو إيمانا منها بأحقية وأهمية مشروع معين للسلطان.

ويبقى التاريخ هو أكبر محكمة لتقييم ومساءلة عمل الملوك. ولا يتردد بعض المؤرخين بنهج الصرامة في التعاطي مثلا مع السلطان المولى عبد العزيز الذي أدخل المغرب دوامة أدت الى استعماره، كما لا يتردد بعض المفكرين في كتاباتهم حاليا مثل عبد الله العروي من توجيه النقد الشديد لحقبة الحسن الثاني بينما كان يلتزم الصمت في الماضي.

وانتشرت خلال السنوات الأخيرة ظاهرة مساءلة الملك محمد السادس وتتخذ اتجاهات متعددة، وتختلف عن المساءلة الصادرة عن اليسار الراديكالي الرافض للملكية والمطالب بالجمهورية، والمساءلة والهداية الدينية كتلك الصادرة عن مؤسسة جماعة العدل والإحسان  وزعيمها الراحل عبد السلام ياسين في الرسالة الشهيرة “الطوفان” ولاحقا “لمن يهمه الأمر”.

لكن هذه المساءلة الجديدة أخذت منحنى جديدا وهو الصادر عن نشطاء جدد في الحقل السياسي والحقوقي، ومن بعض المثقفين كما جرى مؤخرا في كتاب عبد اللطيف اللعبي. وتجري هذه المساءلة، التي تصل الى إصدار الأحكام، بفضل عوامل متعددة منها:

-الوعي بأن المسؤولية السياسية تحتم عدم وجود أي شخص فوق المحاسبة بعدما أظهر التاريخ أن لا ملك في تاريخ المغرب معصوم من الخطئ.

-التقدم في حرية التعبير في ظل الظروف الحالية بعد الربيع العربي، إذ سقط الرؤساء وأصبح الملوك مطالبين بالإصلاح للحفاظ على عروشهم.

-التقدم في تكنولوجيا الاتصال وخاصة بعد ظهور آليات وبرامج يصعب مراقبتها والسيطرة عليها مثل الفايسبوك. وبدون تقدم تكنولوجيا الاتصال يصعب فهم تطور الأفكار السياسية الجريئة ، ونوعيتها في المجتمع المغربي ومنها ما يتعلق بمساءلة الملكية.

ومن خلال رصد ألف بوست لعملية مساءلة الملك محمد السادس في شبكات التواصل الاجتماعي ومن بعض الجمعيات الحقوقية بل وكذلك السياسية، فقد وقفت على منحيين تنحاهما هذه المساءلة:

الأول انتقاد الملك بسبب مشاريعه السياسية لاسيما بعد صدور كتاب “الملك المفترس” في فرنسا لمؤلفيه كاترين غراسيي وإيرك لوران وتستند الى الدين والتراث الإسلامي لتقديم النصيحة للملك بتجنب الجمع بين “السلطة والثروة”.

 الثاني، ويتجلى في بطء الإصلاحات السياسية، وتكرار أخطاء   حدثت في عهد أبيه الحسن الثاني، منها خروقات حقوقية والسماح بحكومات مستشارين أقوى من الحكومة الدستورية.

وتتميز بعض الكتابات في الفايسبوك وباقي المنابر الرقمية أو المعبر عنها،  بإفادات بسبب نقاشها الرزين سواء في مساءلة الملك أو في الدفاع عنه، بينما تذهب أخرى الى السب والقذف أو التملق والتخويف.

المقالات والمواقف المعبر عنها اليوم، أي المساءلة والمحاكمة السياسية، للملكية بدأت ترسم صورة جديدة للمؤسسة الملكية وللملك محمد السادس سواء سلبا أو إيجابا. وتشكل في الوقت ذاته مادة تاريخية ضخمة لم تتوفر في الماضي وستكون رهن المؤرخين لتقييم حقبة محمد السادس.

في غضون ذلك، المساءلة والتقييم السياسي الذي يصل الى مستوى المحاكمة لا يقتصر على المغرب في العالم العربي، بل يحدث في ملكيات أخرى وأحيانا أكثر قوة كما هو الشأن في البحرين والأردن خاصة في هذه الأخيرة حيث يتعرض الملك عبد الله الثاني لنقد شديد ومطالب “ارحل”، بينما في دول أخرى غربية مثل اسبانيا فقد وصل التقييم الى مستوى أعلى من حرية التعبير بشأن المؤسسة الملكية.

Sign In

Reset Your Password