المعطي منجب: التعاطف الكبير مع الأساتذة المتعاقدين نتيجة بساطة مطالبهم وتنكيل السلطات بهم

من تظاهرات الأساتذة المتعاقدين

صرحت وزارة التعليم رسميا بأنها ستأخذ إجراءات تأديبية قاسية منها الطرد في حق الأساتذة المتعاقدين. إن هذا التهديد يزيد في احتقان الوضع الاجتماعي بالمغرب نظرا لمركزية المؤسسة التعليمية بالنسبة للحياة اليومية لأغلب الأسر المغربية ولأن حتى الأساتذة موظفي الدولة، أي غير المتعاقدين، يؤيدون مطالب زملائهم المقصيين ظلما من الوظيفة العمومية وذلك بخوضهم من جهتهم إضرابات متقطعة من عدة أيام.
إن كل هذا يهدد جودة التحصيل لهذه السنة وقد يكون له وقع سيء على مستوى أداء التلاميذ المرشحين لاجتياز البكالوريا في الأسابيع المقبلة. هذا رغم أن الكثير من الأساتذة المتعاقدين -وهذا يُحسب لهم – قد سرعوا وتيرة تكوين طلبة السنة النهائية عبر الساعات الإضافية المجانية قبيل دخولهم في الإضراب. إن هؤلاء الأساتذة المتعاقدين – وهم يفضلون تعبير «الذين فُرض عليهم التقاعد»- يضربون عن العمل منذ أربعة أسابيع كما أنهم يتظاهرون بالشوارع ويعتصمون بالساحات جالبين تعاطف جزء كبير من الرأي العام، وذلك بفضل بساطة ووضوح مطالبهم وبسبب القمع والتنكيل الذي يصيبهم من لدن السلطات العمومية. لقد حصلوا على مساندة النقابات القطاعية والأحزاب السياسية والمنظمات المدنية المستقلة عن السلطة.
فما هو المطلب الأساسي للأساتذة المتعاقدين ولماذا كل هذا التصلب من لدن الحكومة اتجاههم رغم أن مطالبهم تخلو من أي طابع تعجيزي؟.
يطالب الأساتذة المضربون والمتظاهرون -الذين يقول بعضهم أنهم يعاملون من لدن الدولة وكأنهم «بروليتاريا تعليم» رثة ومحتقرة- بالإدماج في النظام الأساسي لموظفي وزارة التعليم. بينما تؤكد الوزارة بأن أقصى ما يمكن أن تفعله هو التوظيف الجهوي وبأن هذا «اختيار استراتيجي» ولا تراجع عنه مهما كان. لماذا هذا الموقف العدواني للحكومة؟ فهي زيادة على التهديدات، ترفض الاعتراف بتنسيقية الأساتذة المتعاقدين كما أنها ترفض الحوار المباشر معهم كما فعل النظام في السابق مع حراك الريف. إن الحكومة لما تهددهم بالطرد تعلن ضمنيا أو بشكل غير واع بأن وضعيتهم القانونية هشة فعلا إذ يمكن تسريحهم من عملهم رغم أنهم لا يفعلون إلا ممارسة حق دستوري هو الإضراب.

لماذا هذا التعنت والتصلب الرسمي الذي يضر أولا وقبل كل شيء بالأطفال المغاربة ولا يساهم في تخفيض كتلة الأجور ما داموا يحصلون على نفس أجور الآخرين؟ يبدو، حسب خبير مالي فضل عدم ذكر اسمه، أن بعض المشكل يكمن في نظام التقاعد، فكل موظفي الدولة ينتمون للصندوق المغربي للتقاعد، والمؤسسة الأخيرة ـ وهذا شيء مهم جدا وليس جزئية بيروقراطية- هي التي تدبر أموالها بنفسها رغم أنها تودعها بصندوق الإيداع والتدبير الشهير بالسيديجي. بينما يفرض القانون على الأساتذة المتعاقدين مع أكاديميات التعليم الجهوية الانخراط بمؤسسة أخرى هي النظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد وهو مؤسسة تعمل في مجال الضمان الإجتماعي ولها شخصية معنوية كما أنها تتمتع بالاستقلال المالي إلا أنها لا تسير أموالها بنفسها بل إن هناك صندوقا لا سيطرة لها عليه هو الذي يفعل ذلك مكانها. بل أن هذا الصندوق لا يتمتع باستقلالية حقيقية هو نفسه مما يمكن النظام السياسي وبعض رجاله النافذين «فعل تقريبا مايشاءون بهاته الأموال التي تعد بملايير الدراهم ويمكن أن يغامروا بها في استثمارات غير مضمونة المردود وتخدم مصالح مراكز قوى نافذة ولا علاقة لها بالتعليم وبمصالح المدرسين وأسرهم». وهنا ندخل صلب الاقتصاد السياسي للمغرب والذي يعرف الجميع من يتحكم فيه ويستغله لصالحه ولهذا أصبحت بطريقة لا منطقية رواتب التقاعد لفئات مهنية عديدة مهددة بالإفلاس.
وعلى ذكر الاقتصاد السياسي والسياسة لابد أن نشير قبل الختم أن قطاع التعليم له حساسية خاصة لدى النظام فأول مظاهرات شعبية وضعت مشروعية النظام محل تساؤل في تاريخ المغرب المستقل هي احتجاجات 23 آذار/مارس 1965 والتي قادها تلاميذ المدارس المهددون بالطرد وعائلاتهم بالدار البيضاء ومدن أخرى، كما ووجهت بقمع دموي قاده الجنرال محمد أفقير شخصيا. كما أن الملك الحسن الثاني في خطابه المخصص لهاته المظاهرات قال ما معناه أنه ليس هناك من خطر أكبر على الدولة من المثقفين المنتقدين للسلطة والذين سماهم تحقيرا لهم «بأشباه المثقفين».
ولنعد الآن لقضية المتعاقدين، إن الناطق الرسمي باسم الحكومة انتقد احتجاجات الأساتذة قائلا بأن قيادييهم يسيسون قضيتهم وهو يشير بذلك ولا شك إلى أن هؤلاء قد اختاروا الذكرى الرابعة والخمسين لمظاهرات البيضاء للاعتصام بوسط الرباط ليلا كما أنهم قاموا بمسيرة يوم 20 شباط/فبراير الماضي مارين بالقرب من القصر الملكي، وهو تاريخ يخيف مدبري الشأن العام النافذين بالمغرب نظرا لاقترانه بذكرى أليمة بالنسبة إليهم وهي الربيع المغربي لسنة 2011. وارتباط رجال التعليم والتلاميذ والطلبة بمطالب سياسية ومنها الدمقرطة تضرب جذورها في تاريخ المغرب المعاصر. فطلبة القرويين وغيرهم هم من نظموا أول مظاهرات وطنية سلمية سنة 1930 وهم من بادروا لخلق الحركة الوطنية والتي ستؤدي هي والمقاومة إلى تحرير من المغرب من ربقة الاستعمار. كما أن الحركة الطلابية المغربية في إطار الاتحاد الوطني لطلبة المغرب تكاد تكون الوحيدة التي تابعت مواجهة النظام مؤدية ثمنا غاليا خلال النصف الثاني من الستينيات وبداية السبعينيات. ومن رحمها خرجت التنظيمات اليسارية الثورية التي قضت مضجع الحاكمين آنذاك. لكل هذا ونظرا للوضع بالجار الشرقي والذي يقوده طلبة الجامعات كذلك فإن رجال الحكم والحكومة متوترو الأعصاب ومترددون، إذ هم لا يعرفون أي وجهة يتجهون: ففوز الأساتذة قد يشجع فئات أخرى لعرض مطالبها بالشارع العام وتسييسها هي كذلك كما أن الاكتفاء بالاحتواء الأمني العنيف قد يجعل الأمور تنفلت من عقالها. «ومدبرها حكيم» كما يقول المثل المغربي.

Sign In

Reset Your Password