الكتاب الإسباني “مهامي في الصحراء” يطرح اقتسام الصحراء أو الفيدرالية حلا لنزاع الصحراء

جزء من غلاف الكتاب

“مهامي في الصحراء” هو اسم الكتاب الصادر  منذ شهور في اسبانيا حول المهمات التي قام بها دبلوماسي اسباني اسمه أنخيل مانويل بايستيروس غارسيا Ángel Manuel Ballesteros García في هذا النزاع منذ اندلاعه ومنها إشرافه على مصالح اسبانيا في الصحراء الغربية سنة 1975. ويقدم المؤلف مقترحات لحل هذا النزاع تحت صيغة فيدرالية أو كونفدرالية بين المغرب وجبهة البوليساريو.

ويعتبر نزاع الصحراء من أقدم النزاعات في القارة السمراء، ولم تصدر حوله الكثير من الكتب سواء في العالم العربي أو الغرب باستثناء في اسبانيا، وعادة ما يجري التعاطي معه انطلاقا من زاويتين مختلفتين، الأولى وهي عملية تصفية الاستعمار تنتظر استفتاء تقرير المصير، والثانية هي عملية تصفية استعمار ولكن في إطار استكمال المغرب لوحدته الترابية.

وخلال السنوات الأخيرة بدأ النزاع يأخذ اهتماما دوليا نتيجة عوامل متعددة على رأسها فشل إجراء استفتاء تقرير المصير،  وانتقال الصراع من صراع سياسي-عسكري كان مسرحه رمال الصحراء الى صراع سياسي-دبلوماسي في المنتديات الدولية حيث تجري حرب دبلوماسية قوية بين المغرب وجبهة البوليساريو التي تحظى بدعم قوي من الجزائر.

ويحظى النزاع باهتمام كبير في اسبانيا بحكم أن هذا البلد كان قوة استعمارية في الصحراء. ويحظى البوليساريو بتعاطف قوي وسط الطبقة السياسية والمثقفين والرأي العام الإسباني. ويبقى القاسم المشترك بين معظم الكتب التي صدرت عن النزاع في اسبانيا هو  انحيازها لأطروحة جبهة البوليساريو من خلال تقديم الصحراويين ضحية اسبانيا ثم لاحقا ما يعتبرونه الاستعمار المغربي.

وهذا الكتاب “مهامي في الصحراء” يحاول الخروج نسبيا عن النمط المتعارف عليه من الكتب حول نزاع الصحراء، وتتجلى أهميته في أن الكاتب يعتبر الدبلوماسي الإسباني والغربي الوحيد الذي سمح له المغرب في السبعينات البقاء في الصحراء للإشراف على مصالح اسبانيا. وهذا جعله شاهد بامتياز على هذا الملف الحساس الذي يعيق بناء المغرب العربي. وفي الوقت ذاته، كان هذا الدبلوماسي من القلائل الذين التقوا بمختلف الفاعلين في النزاع من مسؤولي الأمم المتحدة وجبهة البوليساريو وكذلك ملك المغرب الحسن الثاني.

وينطلق الكاتب من سنوات السبعينات عندما بدأ المغرب يضغط على اسبانيا لكي تقوم بتصفية الاستعمار، ووجدت اسبانيا نفسها في صراع وسط المغرب والجزائر ومحاولة رهانها على الأمم المتحدة لكي تشرف بنفسها على استكمال تصفية الاستعمار عبر استفتاء تقرير المصير في منطقة الصحراء الغربية التي كانت تعتبر “الإقليم 53 في الدستور الإسباني”.

ويذكر في هذا الصدد، زيارة وفد أممي الى الصحراء خلال أكتوبر من سنة 1975 لمعرفة الأوضاع هناك واتخاذ قرار في هذا الشأن مع تركيز على عملية تحرك واسعة دوليا بين الولايات المتحدة وفرنسا والمغرب واسبانيا والجزائر في محاولة فرض واقع معين في النزاع قبل أن يفاجئ الملك الحسن الثاني الجميع بإعلان المسيرة الخضراء، وهي مسيرة 350 ألف مغربي نحو الصحراء لاستعادتها.

يؤكد الكاتب الحرج الذي وجدت اسبانيا نفسها فيه ورهانها على توقيع اتفاقية مدريد خلال نوفمبر 1975 التي تقتسم بموجبها الصحراء بين المغرب وموريتانيا قبل انسحاب الأخيرة سنوات لاحقة وضم المغرب باقي الأراضي الى وحدته سنة 1979.

ويعترف بأن هذا الملف هو من أصعب الملفات التي واجهتها دبلوماسية اسبانيا منذ منتصف القرن العشرين رغم أن اسبانيا لم تكن دولة استعمارية كبيرة مقارنة مع فرنسا وبريطانيا، وهي بالكاد احتلت جزءا من المغرب والصحراء وغينيا إيكواتوريال. ويفسر هذه الصعوبة بالفشل في إيجاد توازن مع جارين لهما طموحات، المغرب والجزائر ومعنيان مباشرة بالنزاع. وكانت اسبانيا تتخوف من المغرب بطرح ملف سبتة ومليلية، كما تخوفت من الجزائر التي كانت تحتضن حركة انفصالية تطالب باستقلال جزر الكناري عن اسبانيا.

ويكشف الكتاب عدم تحمس الملك خوان كارلوس عندما كان أميرا ولاحقا ملكا الى اعتبار الصحراء منطقة اسبانية كما ذهب بعض القادة العسكريين وقتها، ولكنه  انتقد “صديقه” الحسن الثاني بسبب المسيرة الخضراء وما شكلته من ضغط على اسبانيا في وقت كان الجميع ينتظر وفاة الجنرال فرانسيسكو فرانكو وما تلى ذلك من أحداث حول الانتقال الديمقراطي.

 ومن خلال قراءة الكتاب، يحيل المؤلف كثيرا على سبتة ومليلية، ويوحي بأن الملك الحسن الثاني كان مؤمنا باستعادة سبتة ومليلية وباقي الجزر المتنازع عليها ولا يتعلق الأمر فقط باستراتيجية للضغط في الصحراء، كما تذهب الكثير من الدراسات والتحاليل السياسية والأكاديمية.  ويكشف باييستيروس منذ سنة 1963 اقتناع الحسن الثاني بأن استعادة الصحراء من اسبانيا سيقوم به هو بينما سبتة ومليلية ستكون خلال الجيل المقبل، في إشارة الى جيل الملك محمد السادس.

ويستعرض الكاتب مختلف المراحل التي مر منها نزاع الصحراء من مواجهات حربية بين المغرب والبوليساريو منذ سنة 1975 الى غاية اتفاقية الهدنة سنة  تحت إشراف الأمم المتحدة1991، وكيف أنهكت الحرب منيزانية المغرب وحكمت على الصحراويين بالعيش في مآسي.

ويركز الكتاب على مساعي وتصرفات الدبلوماسية الإسبانية في هذا النزاع. ويبزر حفاظ مختلف رؤساء الحكومات ووزراء الخارجية على الحياد في الملف رغم العلاقات المكثفة مع الرباط. فرؤساء الحكومات بنوا علاقات متينة مع المغرب كانت تهتز بين الحين والآخر بسبب بعض الأزمات، ولكنهم بقوا في ملف الصحراء الى جانب الأمم المتحدة التي طالبت بتصفية الاستعمار.

ويستثني من هذا الإجماع رئيس الحكومة الاشتراكي خوسي لويس رودريغيث سبتيرو (2004-2011) الذي يعتبر أنه مال كثيرا الى مقترح الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب حلا للنزاع على حساب مبدأ تقرير المصير.

وينتمي الكاتب الى طينة الدبلوماسيين الإسبان الذين يضغطون على حكومة مدريد لكي تتخلى عما تعتبره “حيادا” في نزاع الصحراء، وتتحمل مسؤوليتها التاريخية بتعيين مبعوث اسباني خاص في النزاع يعمل الى جانب المبعوث الخاص للأمم المتحدة في البحث عن الحل.  وينطلق الكاتب ودعاة هذه الأطروحة من المسؤولية التاريخية لأسبانيا بأنها كانت قوة استعمارية في المنطقة، ومطالبة بالمساهمة في البحث لمساعدة شعوب المنطقة على العيش في سلام.

وفي معالجته للموقف الإسباني دائما، يطالب مدريد بمواقف واضحة إما الرهان على الحكم الذاتي وتطلب من المغرب تجميد أي مطالبة بسبتة ومليلية، أو تحمل مسؤوليتها التاريخية وتدافع عن جبهة البوليساريو وتصفية الاستعمار ولكنها في المقابل يجب أن تكون مستعدة لمعالجة ملف سبتة وميللية مع المغرب.

ويؤكد أنه من أنصار إعادة تقسيم الصحراء بين المغرب وجبهة البوليساريو وفق اتفاقية مدريد سنة 1975، إذ ينسحب المغرب من جنوب الصحراء ويمنح للبوليساريو المنطقة التي كانت تتواجد فيها موريتانيا. ودافع الكاتب من منصبه دبلوماسيا مكلفا بالصحراء على هذه الأطروحة مع الأمين العام الأسبق بطرس غالي وكذلك مع المبعوث الخاص في نزاع الصحراء الأمريكي جيمس بيكر. ويؤكد أن هذا المقترح موجود في أجندة الأمم المتحدة عندما طرحه الأمين العام السابق كوفي أنان سنة 2002 ضمن سيناريوهات الحل للنزاع. ويطالب آنخيل باييستيروس فرض الحل بموجب الفصل السابع رغم رفض المغرب وجبهة البوليساريو له.

والكتاب يفضل سيناريو آخر من الحل، وينطلق من مقولة للملك الراحل الحسن الثاني “لا غالب ولا مغلوب في النزاع”، معتبرا أن أحسن ترجمة سياسية لهذه المقولة وتقترب من سياسة الواقع هو الرهان على الحل الفيدرالي أو الكونفدرالي بل وكذلك دولة ملحقة بالمغرب في الصحراء على شاكلة بويرتو ريكو مع الولايات المتحدة. ويقدم إيجابيات هذا الحل على استقرار المنطقة وكذلك على أمن جزر الكناري الإسبانية الواقعة قبالة الصحراء، حيث يفضل وجود دولة قوية قادرة على مواجهة التحديات الأمنية التي تعصف بمنطقة ساحل الصحراء.

كتاب “مهامي في الصحراء” مساهمة في البحث عن حل لنزاع دام طويلا ولكن كل المؤشرات تدل على أنه بدأ يتقرب من مرحلة الحسم التي قد تتطلب بضع سنوات على الأقل.

العنوان الأصلي: Mis Misiones en el Sahara

الترجمة: “مهامي في الصحراء”

الكاتب أنخيل مانويل باييستيروس غارسيا Ángel Manuel Ballesteros García   librosahara

دار النشر: Letras del Autor

عدد الصفحات: 120

تاريخ النشر: مايو 2014

مقالات ذات صلة

Sign In

Reset Your Password