القطار السريع بين مراكش وأكادير محور مواجهة جيوسياسية صامتة بين الغرب والصين

القطار الصيني السريع

يثير قرار المغرب منح الصين تشييد القطار السريع بين مدينتي مراكش وأكادير وسط البلاد قلق بعض الدول الغربية وعلى رأسها فرنسا والولايات المتحدة ونسبيا اسبانيا بسبب أهميته المالية للبعض منها وبسبب الاختراق الصيني لأفريقيا لأسباب جيوسياسية  للبعض الآخر، وفق معطيات حصلت من مصادر رفيعة المستوى في واشنطن.

وكان العاهل المغربي قد أعلن خلال خطاب المسيرة الخضراء يوم 6 نوفمبر الماضي إنشاء قطار سريع بين مدينتي مراكش وأكادير ينضاف الى القطار السريع “تي جي في” بين طنجة والدار البيضاء شمال البلاد. وكانت فرنسا هي التي شيدت القطار الأول في عملية رافقها الكثير من الجدل السياسي والمالي. وينوي المغرب منح الخط الجديد للصين، حيث سيكون من الخطوط الأولى التي ستنفذها الصين خارج أراضيها. وكان الرأي السائد هو قرار المغرب منح اسبانيا الخط الثاني لاسيما وأن قطارات اسبانيا ذات جودة وأقل تكلفة من نظيرتها الفرنسية، كما أن اسبانيا تتوفر على ثان أكبر شبكة للقطار السريع بعد الصين ومتفوقة على دول مثل اليابان وفرنسا وألمانيا.

وجاء اختيار المغرب للصين لأسباب مالية وجيوسياسية. وعلاقة بالمالي، رهان المغرب على الصين، وفقد تقديرات خبراء لألف بوست، يعني تقليص الفاتورة المالية الى قرابة النصف مقارنة مع المبلغ المالي الذي جرى توظيفه في القطار السريع من طنجة الى الدار البيضاء وقارب الثلاثة ملايير يورو علاوة على خدمة الدين مما جعله مكلف للغاية. كما أن الصين ستساهم بقروض ضعيفة الفائدة وعلى المدى البعيد في تمويل المشروع لأنه يصب في مصلحة مشروعها الكبير طريق الحرير.

وبشأن الرهان جيوسياسي، ينوي المغرب التعاقد مع الصين لكي ينضم الى طريق الحرير الذي تهيكل به بكين جزء كبير من العالم التجاري يشمل أوروبا وآسيا والشرق الأوسط، حيث يعتبر الطريق التجاري الأكبر خلال العقود المقبلة. وتريد الصين المشروع لكي تنقل تكنولوجيا المواصلات الى الخارج بعدما نجحت في الهيمنة على تكنولوجيا الاتصالات بفضل شركاتها الكبرى مثل هواوي.

وما تعتبره الصين رمزا لقوتها الجديدة، يعتبره الغرب ضربة لمصالحه الرمزية، إذ لا يرغب الغرب في تواجد الصين في مناطق تعتبر تاريخيا من نفوذه وبمشاريع تبرز تقدم هذا البلد  الأسيوي.

ومن ضمن التوتر الذي يسبب فيه هذا المشروع، تندد مصادر مرتبطة بالقصر المغربي بمحاولات فرنسا الضغط على المغرب لكي يتخلى عن الصفقة مع الصين ويراهن على القطار الفرنسي السريع. ونشرت الصحافة المغربية المقربة من الدولة مقالات في هذا الشأن متهمة فرنسا بتوظيف نزاع الصحراء لانتزاع الصفقة. ولا يعتبر القلق الفرنسي وحيدا وإن كان يهمين عليه الهاجس المالي بل هناك قلق نسبي في وزارة الخارجية الأمريكية لأسباب جيوسياسية، وفق معطيات من مصادر رفيعة المستوى في واشنطن، حيث أبلغ الأمريكيون المغاربة هذا القلق، إذ لا يهم واشنطن الجانب المالي بل المكانة التي ستحتلها الصين في شمال إفريقيا ومنها المغرب المحسوب تاريخيا على الغرب. وتجدر الإشارة الى أن من أهم النقط المحورية في البرنامج جيوسياسي الأمريكي هو محاصرة الصين ومنعها من التسلل الى منطق نفوذ غربية.

ولا يعتبر القلق الأمريكي استثنائيا، وتضغط الولايات المتحدة على كل حلفاءها للابتعاد عن المشاريع مع الصين التي تبرز تقدم هذا البلد وجعله في ريادة العالم. فقد طلبت من دول أوروبا عدم الانخراط في طريق الحرير، وشنت حملة ضد إيطاليا عندما أعلنت رغبتها الانخراط في المشروع الصيني. وطالبت الدول الأوروبية بعدم الاعتماد على التكنولوجيا الصينية في مجال الإنترنت المعروفة بالجيل الخامس. ويمتد الفيتو الأمريكي الى مجال الأسلحة سواء من الصين أو روسيا أساسا.

ويبدو أن الضغط الذي يتعرض له المغرب شبيه بذلك الذي تعرض له منذ ثلاث سنوات عندما أراد الرهان عسكريا على روسيا بعدما لم تعد واشنطن تزوده بأسلحة متطورة، واستجاب البنتاغون لمطالب المغرب أخيرا بتزويده بعتاد متطور نسبيا.

Sign In

Reset Your Password