القضاء البريطاني سينظر في دعوى ضد الملك خوان كارلوس بتهديد عشيقته بسبب رشاوي سعودية

ملك اسبانيا الأب خوان كارلوس يسلم على عشيقته كورنيا في لقاء قبل الخصام بينهما

هل سيتحول القضاء البريطاني إلى مسرح لمحاكمات الملوك والأمراء في العالم؟ هذا هو السؤال الذي يتبادر إلى الذهن بعد قرار مواطنة أوروبية تحمل لقب أميرة رفع دعوى ضد ملك إسبانيا الأب خوان كارلوس بتهمة التهديد والفساد المالي، وتعد هذه ثان مرة سيعالج فيها القضاء البريطاني ملفا ملكيا بعد ملف حاكم دبي.

في هذا الصدد، تعيش إسبانيا فضيحة ضخمة بعدما بدأت تتبين خيوط تورط الملك الأب خوان كارلوس في عمليات فساد مالي مصدرها السعودية، وتتجلى في توصله بمئة مليون دولار في حساب مؤسسة مالية في بنما نتيجة وساطته لدى شركة إسبانية لإنشاء القطار السريع بين مكة المكرمة والمدينة المنورة. وجرى لاحقا تحويل تلك الأموال إلى حساب في سويسرا، ووضع 65 مليون دولار في حساب كورينا لارسن وهي مواطنة ألمانية تحمل لقب أميرة بسبب زواجها السابق من أرستقراطي أوروبي. وكانت كورينا عشيقة الملك خوان كارلوس خلال السنوات الأخيرة لحكمه قبل قرار انسحابه سنة 2014 لصالح ابنه فيلبي السادس.

التحقيق القضائي

وكان القضاء الإسباني قد بدأ التحقيق في هذا الملف سنة 2012 لكنه جرى إغلاقه لسببين، الأول هو غياب الأدلة التي تدين الملك مباشرة، والثاني وهو شغل خوان كارلوس وقتها منصب الملك، وبالتالي الدستور لا يسمح بمحاكمته. وكانت المفاجأة قيام القضاء السويسري لاحقا بالتحقيق في الفساد المالي بعد فضائح الحسابات السرية لعدد من المسؤولين السياسيين في العالم.

وهذا الملف هو واحد من الملفات التي تدور حولها شبهات، فهناك كتب صدرت عن الملك تتهمه بالوساطة في تجارة الأسلحة مع العرب طيلة عقود، لكن هذه المرة يتولى القضاء التحقيق في الملف المالي الخاص بالسعودية بسبب وجود أدلة قوية.

ويحقق القضاء الإسباني في الملف وكذلك القضاء السويسري، ويوجد تعاون بينهما للوصول إلى الحقيقة. ويخلف التحقيق نقاشا قضائيا هاما، ويعتقد خبراء في صعوبة محاكمة خوان كارلوس لأن الأحداث وقعت عندما كان ملكا، وبالتالي فهو محمي بالدستور. في المقابل، يرى آخرون أن الدستور يحمي القرارات السياسية للملك إذا لم تخالف القانون أما التورط في الفساد المالي فهو شيء آخر، ويعللون ضرورة محاكمة الملك خوان كارلوس بأن التساهل معه هو تساهل مع الإجرام.

ومثلت كورينا لارسن أمام النيابة العامة السويسرية مؤخرا، وأكدت مصدر الأموال وهو حساب يعود إلى ملك إسبانيا خوان كارلوس، وبررت ذلك بأنها هدية منه لها بسبب المشاكل التي كانت تعيشها وقتها، وأضافت أن التحويل جرى بدون ترخيص منها.

دعوى أمام القضاء البريطاني

وإذا كانت الاتهامات بالفساد المالي للملك خوان كارلوس مقلقة، فالفضيحة الحقيقية تأتي مع قرار كورينا رفع دعوى أمام القضاء البريطاني ضد الملك خوان كارلوس والمدير السابق للاستخبارات العسكرية الإسبانية الجنرال فليكس رولدان بتهمة تهديد سلامتها الجسدية وكذلك أبناءها، وهي إشارة إلى الاعتداء أو القتل.

وفي تصريحات لجريدة “دايلي ميل” الأحد الماضي، أكدت أنها تتعرض ومنذ سنة 2012 لتهديدات لكي لا تتحدث للصحافة ولكي تسلم وثائق تعتبر سرية ومرتبطة بالدولة. ونشرت الصحافة الإسبانية ومنها “دياريو” و”بوبليكو” و”وكالة أوروبا برس” أن الدعوى ستكون ضد ملك إسبانيا لأن القانون البريطاني لن يعترف له نهائيا بالحصانة.

وسيتولى المحامي الشهير جون لويس الملف، وسيعتمد في تبرير الدعوى بحصول التهديدات في لندن وبالضبط في فندق شهير حيث اجتمعت كورينا بمدير الاستخبارات السابق. وفي حال قبول الدعوى ستكون فضيحة من العيار الثقيل. وهناك سابقة، فقد سبق للقضاء البريطاني قبول دعوى الأميرة هيا بنت الحسين الأردنية ضد زوجها محمد بن راشد آل مكتوم حاكم دبي وأصدر حكما لصالحها خلال هذه الأيام.

التحقيق البرلماني

وينضاف إلى التحقيق القضائي الإسباني والسويسري مطالبة أحزاب في البرلمان بضرورة تشكيل لجنة للتحقيق في تورط الملك في الفساد المالي. وجاءت المبادرة من طرف حزب بوديموس وحزب اليسار الجمهوري الكتالاني. وكان الحزبان قد تقدما بطلب مماثل سنة 2018 لكن عارضه كل من الحزب الاشتراكي والحزب الشعبي المحافظ، لكن هذه المرة قد يتم قبول التحقيق بسبب وجود أدلة كافية للاتهام.

وهناك تخوف من الانعكاسات السلبية للتحقيق القضائي والبرلماني على صورة المؤسسة الملكية، حيث تنعش مثل هذه الأحداث المطالبين بالجمهورية. ومن ضمن المتحمسين لمحاكمة خوان كارلوس حزب بوديموس المشارك في الائتلاف الحكومي. وكان أنصار الملكية يتهمون كل من اتهم خوان كارلوس بالفساد بالمؤامرة الجمهورية، لكن هذه المرة يبدو أن الأدلة قوية وتجعل أنصار الملكية يتراجعون إلى الوراء. وكان أول كتاب جريء يتهم خوان كارلوس بتلقي رشاوي وعمولات غير قانونية هو الصادر سنة 1991 ويحمل اسم “ثمن الانتقال” لغريغوريو موران يتحدث عن الانتقال الديمقراطي وكيف تحول خوان كارلوس إلى أكبر وسيط للرشاوي. وتوالت كتب أخرى حول فساد الملك، وبدأ كل شيء يتأكد الآن.

وعن التطورات الأخيرة، كتب إغناسيو إيسكولار مدير جريدة “دياريو” الرقمية منذ يومين أنه “بتوصله بمئة مليون دولار من السعودية، علينا التساؤل نحن الإسبان الذين نؤدي راتب الملك خوان كارلوس لمن يعمل هل لصالح الإسبان أم أطراف ثالثة، إن تصرفاته لا تنم عن ملك غربي بل تصرفات مشابهة لمعمر القذافي وحسني مبارك”.

لقد تولى خوان كارلوس العرش سنة 1975 بعد وفاة الدكتاتور الجنرال فرانكو، ولعب دورا في الانتقال الديمقراطي، وانسحب لصالح ابنه الأمير فيلبي السادس خلال حزيران/يونيو 2014. وبدأ يتبين الآن أن الانسحاب جاء بعد الفضائح الجنسية والمالية التي كانت تهدد الملكية وتعود الآن إلى السطح بقوة. وتقدر مجلة “فوربس” ثروته بحوالي مليوني دولار جزء كبير منها من وساطات مع الأنظمة العربية وهدايا مالية منهم.

Sign In

Reset Your Password