القصف الغربي لسوريا يضع عقيدة بوتين الاستراتيجية على المحك

الرئيس الروسي فلادمير بوتين خلال خطابه الشهير يوم فاتح مارس

شنت القوات الأمريكية والبريطانية والفرنسية المكونة للنواة القوية للغرب، هجوما على منشآت سورية فجر السبت 14 نيسان/أبريل الجاري. وجرى تبرير الهجوم بالرد على استعمال نظام بشار الأسد أسلحة كيميائية ضد المدنيين في دوما. لكن العملية العسكرية تتعدى هذا التبرير المقدم وهي بمثابة رد على سياسة موسكو التي تقول ببداية نهاية الغرب العسكري، كما تشكل في الوقت ذاته امتحانا للعقيدة الاستراتيجية الروسية الجديدة بشأن الدفاع عن شركائها.
وتؤكد الدول الغربية استعمال نظام بشار الأسد أسلحة كيميائية في ضرب دوما خلال الأسبوع الماضي، ونفت سوريا القصف بل سارعت موسكو إلى اتهام لندن بفبركة الهجوم لأغراض استراتيجية. ومن الناحية العملية: كيف يمكن لنظام بشار الأسد استعمال السلاح الكيميائي وهو الذي يتقدم في جميع المناطق؟ ويبدو من رواية السلاح الكيميائي الذي لم يتأكد بعد بحكم استباق الغرب تنفيذ الهجوم قبل زيارة خبراء دوليين مكان الاعتداء المفترض، هو الإيحاء بأن روسيا فشلت في التصدي للحركات المسلحة ولا تمانع من استعمال نظام دمشق السلاح الكيميائي للانتهاء من النزاع.
وقبل التحقيق الدولي، وقع الهجوم الثلاثي الأمريكي-الفرنسي- البريطاني على منشآت سورية فجر السبت، حيث جرى، وفق وزارة الدفاع الروسية، توجيه 103 صواريخ من مختلف الأنواع جو-أرض ومجنحة ومن منصات مختلفة وهي السفن الحربية والمقاتلات مثل الرافال الفرنسية وتورنيدو البريطانية والمقنبلات الاستراتيجية الأمريكية ب 1. ونجحت مضادات الطيران والصواريخ في اعتراض 71 صاروخا من أصل 103، وفي حالة صحة هذه الأخبار، يعتبر نجاحا كبيرا للجيش السوري لأنه بمضادات طيران قديمة نجح في اعتراض صواريخ متقدمة للغاية. وقد يكون هذا النجاح مضاعفا في حالة التأكد من اعتراض الصواريخ 12 التي استهدفت مطار دومير بالقرب من العاصمة دمشق.
لكن ما يمكن اعتباره نجاحا للجيش السوري قد يعتبر من جهة أخرى هزيمة لسياسة روسيا في الوقت الراهن ومستقبلا. في هذا الصدد، كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أعلن بداية اذار/مارس الماضي عن سياسة جديدة مفادها توفر روسيا على أسلحة لا تقهر وهي بهذا ستوفر الحماية لكل حلفائها. وكان الخطاب تحديا حقيقيا للغرب خاصة وأنه تزامن مع استعراض أسلحة تعتبر مرعبة حقا ومع انتشار عسكري للروس في كثير من أنحاء العالم بما فيها تسيير سفن قريبة من المياه الإقليمية الأمريكية وطيران مقاتلات ومقنبلات روسية بالمحاذاة مع أجواء دول الحلف الأطلسي في أوروبا. كما جاء في وقت تحدت فيه روسيا الغرب من خلال ملف جزيرة القرم التي ضمتها وانتزعتها من أوكرانيا السائرة في فلك الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
كانت هذه المعطيات الجديدة والتطورات المتلاحقة إيذانا ببدء نهاية الهيمنة العسكرية للغرب على العالم وما يترتب عنها من التأثير على القدرة في صنع القرار السياسي. وتعد سوريا المنعطف الحقيقي بحكم أن التحليلات ذهبت إلى القول بقرار الكرملين حماية سوريا من أي تدخل غربي في إشارة قوية إلى نهاية صناعة القرار الدولي للغرب.
وعليه، لا يعتبر الهجوم الغربي مدمرا لقدرات الجيش السوري لأنه كان محدودا واستهدف مبان بعضها خالية، كما أنه لن يؤثر على تقدم سيطرة القوات السورية على معظم أراضي البلاد، لكن في المقابل حمل هذا الهجوم رسائل رئيسية ليس لنظام الأسد بل للكرملين وللرد على خطاب الرئيس فلاديمير بوتين. وهذه الرسائل هي:
في المقام الأول، رغم سيطرتها على أغلب الأراضي السورية، فروسيا لم تحسم النزاع السوري لصالحها بل ما زال الغرب يمتلك كلمة في التدخل متى شاء، وهو ما نفذه يوم 14 نيسان/أبريل من خلال عملية القصف. وقد حرصت الدول الغربية على تفادي ضرب أي مصالح روسية مباشرة في سوريا لتفادي الرد المباشر، لكن الهجوم يحمل في طياته نبرة «الردع العسكري» الغربي وتنفيذ تعهد أن هناك حدودا حمراء لا يمكن تجاوزها وإن تعلق الأمر بقوة عظمى في الواجهة الأخرى مثل روسيا.
في المقام الثاني، رغبت الدول الغربية في ضرب ودحض أطروحة دفاع روسيا عن سوريا إذا تعرضت دمشق لهجوم عسكري غربي. وعمليا، مقابل عملية القصف العسكري التي تبقى محدودة، أرادت روسيا تبرير موقفها بنجاح سوريا في إسقاط 71 صاروخا من أصل 103 بفضل مضادات طيران روسية وإن كانت قديمة، وكذلك إعلانها نيتها تسليم منظومة إس 300 إلى سوريا لتكون في مستوى التحديات العسكرية الغربية.
في المقام الثالث، ارتباطا بالنقطة السابقة، يسعى الغرب من وراء الهجوم للتلميح إلى أن الأطروحة الاستراتيجية للكرملين التي أعلنها بوتين بالدفاع عن الحلفاء مجرد كلام بدون تنفيذ عملي. ومن خلال هذا، تريد التشكيك في التزامات موسكو في الدفاع عن شركائها وخلق التشكيك والتردد لدى كل دولة ترغب في التحالف مع روسيا مستقبلا وتعتمد عليها لتأمين قومنها الأمني.
لقد انخرطت روسيا في الدفاع عن سوريا لمنع سقوطها في يد الغرب لأن فيها القاعدة العسكرية الوحيدة التي تمتلكها موسكو خارج الأراضي الروسية وهي طرطوس البحرية، والآن هناك حميميم الجوية. ولقد وظفت لهذا الغرض أسلحة متطورة ودفعت بالآلاف من جنودها للميدان للحفاظ على النظام السوري. لكن روسيا أخفقت في نقطتين رئيسيتين وهما:
في المقام الأول، لم تعمل على اعتراض الصواريخ الغربية التي استهدفت فجر السبت أهدافا سورية، ونشرت روسيا منظومة إس 400 في سوريا، وكانت عملية الاعتراض ستكون ناجحة لو قررت ذلك. ولا يفهم السر في عدم القيام باعتراض الصواريخ الغربية.
في المقام الثاني، لم تزود موسكو دمشق بمنظومة مضادة متطورة للصواريخ مثل إس 300 أو إس 400، بل الغرابة هي تصريحات موسكو بعد الهجوم نيتها تسليم إس 300 إلى سوريا، وعليه، لماذا لم تفعل من قبل وهي المدركة بالمخاطر التي تهدد دمشق؟
في أعقاب القصف، قال بيان صادر عن الرئاسة الروسية بقلق بوتين من الهجوم لأنه يعتبر عدوانا على دولة ذات سيادة، كما يعتبر انتهاكا صارخا للقانون الدولي، لكن لماذا لم تلتزم روسيا بتعهداتها باعتراض الصواريخ التي استهدفت سوريا؟
لقد وضع الغرب عقيدة بوتين الاستراتيجية على المحك من خلال هذا الهجوم العسكري، فهل سترد روسيا عبر مفاجأة قوية أم ستلتزم الصمت؟

Sign In

Reset Your Password