القدس العربي: مؤشرات على تحسن العلاقات بين المغرب وموريتانيا وزيارة مرتقبة للملك محمد السادس لنواكشوط

صورة مركبة للملك محمد السادس والرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز

تحظى مظاهر التقارب وذوبان الجليد في العلاقات الموريتانية المغربية هذه الأيام باهتمام كبير ومتابعة تكاد تكون انية من طرف الرأي العام ووسائل الإعلام في كلا البلدين. ويسعى المراقبون لاستكشاف أسباب وخلفيات هذا التقارب المفاجئ والمتسارع الذي لم تسبقه وساطة منظورة ولم تشر إليه أحداث خارجة عن المألوف.
وتتحدث وسائل الإعلام الموريتانية منذ أيام باستفاضة عن هذا التقارب، وذهب بها الأمر إلى حد ان أعلنت عن زيارة سيقوم بها العاهل المغربي الملك محمد السادس لموريتانيا أواخر ديسمبر/كانون الأول المقبل، وأعطت المواقع تفاصيل عن هذه الزيارة وذكرت ان الملك سيزرو موقع آزوغي التاريخي الواقع قرب مدينة أطار في الشمال الموريتاني.
وبما ان هذه الزيارة غير ممكنة قبل تعيين سفير جديد موريتاني في الرباط الذي يعتبر فراغ مقعده منذ عام 2010 مؤشرا على التوتر، فقد اندفعت المواقع الإخبارية الموريتانية لتسمي السفير عارضة أسماء عدد من الشخصيات المهيأة لهذا المنصب بينها الوزير الأول السابق محمد الأمين ولد أكيك.
ولا شك ان تبادل الزيارات على أعلى مستوى بين البلدين مؤشر كبير على هذا التحسن إلا ان الحدث القاطع للشك في هذا الصدد هو لقاء مباشر بين الملك محمد السادس والرئيس محمد ولد عبد العزيز وهو ما لم يقع لحد الساعة.
وضمن هذا الاهتمام، خصصت أسبوعية «بلادي» الموريتانية الاستقصائية المستقلة ملفها الأسبوعي أمس للعلاقات الموريتانية المغربية حيث أكدت «ان مظاهر التحسن تعود كلها إلى مبادرات من المغرب».
ثم تساءلت الصحيفة عن أسباب التقارب الملاحظ اليوم وعن أسباب التباعد الذي وقع أمس».
وعرضت الصحيفة للزيارات التي قام بها وزير الداخلية الموريتاني للمغرب والتي وقعت خلالها اتفاقيات أمنية بالغة لأهمية، كما توقفت عند الزيارة التي أداها لموريتانيا مؤخرا صالح مزوار وزير الخارجية المغربي.
وتابعت الصحيفة مسارات العلاقات الموريتانية المغربية منذ استقلال موريتانياعام 1960 حتى اليوم مؤكدة ان هذه العلاقات مرت بفترات اضطراب كبيرة.
وركزت أسبوعبة «بلادي» على قضية الصحراء الغربية التي شكلت، حسب الصحيفة، العامل المؤثر الكبير في حالات التقارب والتباعد التي مرت بها العلاقات الموريتانية المغربية.
وتوقفت الصحيفة عند أمرين رأت انهما السبب في انكماش الرئيس محمد ولد عبد العزيز عن المغرب، والأمران هما إقامة رجل الأعمال محمد ولد بوعماتو خصم الرئيس وابن عمه مكرما في المغرب، وكذا إقامة المعارض الموريتاني الشرس مصطفى ولد الإمام الشافعي في المملكة المغربية.
وفي تحليل أخير لها جزمت صحيفة «السراج» الموريتانية المستقلة «بأن العلاقات الموريتانية المغربية عصية على التوتر، وتملك من معطيات التاريخ وضرورات الواقع ما يجعلها قادرة على تجاوز أزماتها، كما يمكن الجزم أيضا بأن وجود البلدين ضمن محور دولي كبير، يجعل تلك العلاقة قابلة لمزيد من التحسن مستقبلا، ويبقى ملف الجزائر والصحراء أهم نقطة ضعف ستؤثر بشكل سلبي على العلاقة بين جاري الشمال».
وكان الاعتقاد السائد لدى الكثيرين في المغرب كما في موريتانيا، هو ان وصول الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز للحكم سنة 2009، سيؤدي إلى تطور كبير في العلاقات الموريتانية المغربية بالنظر لأصوله المغربية ولكون زوجته ذات التأثير الكبير مغربية أيضا. وقوى هذا الاعتقاد متابعة ولد عبد العزيز ما بين 1977 و1980 لتدريبات في الأكاديمية العسكرية الملكية في مكناس، ثم عودته إلى المغرب سنة 1993 ليتابع لمدة سنتين تكوينا عسكريا عاليا آخر.
وتؤكد صحيفة «هسبرس» المغربية «ان سوء الفهم الكبير الذي وقع في طريق العلاقات بين الرباط ونواكشوط بدأ صغيراً ليكبر مع مرور الأيام مثل كرة ثلج متدحرجة»، فقد بدأت الحكاية، حسب هسبرس، عندما طلب عبد العزيز التوجه إلى المغرب كأول بلد يزوره بعد توليه الرئاسة في يوليو/تموز 2009، غير ان الرباط اعتذرت عن الموعد المحدد، وتكرس سوء الفهم بعدما تم تحديد موعد ثان لزيارة الرئيس الموريتاني للمغرب، لكن هذه المرة كانت نواكشوط هي من اعتذرت عن قيام الرئيس بالزيارة بحجة ان الوقت «غير مناسب» لأجندة الرئيس والانكى ان عبد العزيز زار الجزائر في التوقيت نفسه، الجارة الشقيقة اللدود للمغرب».
وتعاطت نواكشوط باستياء مع الإلغاء الأول لزيارة الرئيس ولد عبد العزيز إلى الرباط، وهو ما عززته وقائع أخرى، منها طرد موريتانيا لمراسل وكالة الأنباء المغربية عبد الحفيظ البقالي في ديسمبر/كانون الأول في 2011 واتهامه بممارسة أدوار خارجة عن مهامة الإعلامية.
ورفضت موريتانيا، حسب أسبوعية «السراج»، عرضا من المملكة المغربية بإقامة قنصلية في مدينة لعيون الصحراوية، ورغم ان هذا الرفض متفهم جدا بسبب حساسية المدينة، وباعتباره خروجا قويا على ما تعتبره موريتانيا الحياد الإيجابي من النزاع المغربي الصحراوي إلا انه قوبل بغضب شديد من المغرب. وفي المقابل أيضا وسعت موريتانيا دائرة علاقاتها مع الجزائر بشكل متزايد، وبشكل أعمق مع حركة البوليساريو، واستقبل الرئيس محمد ولد عبد العزيز مسؤولين صحراويين عدة مرات، كما تعزز التقارب الموريتاني الصحراوي بتقريب الرئيس ولد عبد العزيز للرئيس الموريتاني السابق محمد خونه ولد هيداله ذي الأصول الصحراوية والمعروف بصداقته مع الجزائر مستشارا خاصا له. والحقيقة، حسب متابعي هذا الشأن، فإن المغرب لن يفرط في موريتانيا التي تمثل خاصرته الجنوبية، رغم عجز موريتانيا عن خلق توازن في العلاقات بين المغرب والجزائر. ولا تملك موريتانيا أوراق ضغط كبيرة على المغرب باستثناء ورقة الموقف من الصحراء الغربية، وهي ورقة قوية ومؤثرة، وخصوصا إذا لجأت موريتانيا إلى مسايرة أنشطة البوليساريو في مجالات التنقيب عن المعادن وفي مجال الاستثمار التجاري.
وتملك المغرب أوراق ضغط كبيرة على موريتانيا وإنْ كان الرئيس محمد ولد عبد العزيز الذي يوصف بأنه «تلميذ الرئيس معاوية»، لا يخضع للضغوط. 
أما المغرب فتملك في موريتانيا أوراق ضغط كبيرة أبرزها العلاقات الاجتماعية الوطيدة جدا بين المغرب ومحيط الرئيس عزيز، وورقة الثقل الروحي الذي تمثله المغرب باعتبارها مركزا للطريقة التجانية ذات الأتباع الكثيرين في موريتانيا. ومن أوراق المغرب تأثيرها الكبير على دول الجوار وبخاصة السنغال ومالي المجاورتين اللتين تتبعان الإشارة المغربية في مواقفهما الإقليمية.
ويتوفر المغرب على ورقة المنح الدراسية المقدمة للطلاب الموريتانيين في المغرب وورقة التبادل التجاري مع المغرب الذي تعتمد سوق الفواكه والخضروات الموريتانية على منتوجاته الزراعية الرخيصة.
وإذا تأكدت زيارة العاهل المغربي المتوقعة لموريتانيا فإن ذلك سيزيل الجليد وسينهي الأزمة «الصامتة» بين المغرب وموريتانيا، حيث ان العاهل المغربي محمد السادس لم يزر موريتانيا منذ وصول عبد العزيز إلى الحكم، كما ان الرئيس الموريتاني محجم عن زيارة المغرب، بينما زار جميع دول المغرب العربي الأخرى.
ومع ان هناك مؤشرات لتحسن العلاقات الموريتانية المغربية تمليها المصالح واشتراطات الجوار فإن مراقبين مطلعين يرون ان التوجه الفرنسي والأمريكي نحو منطقة الساحل لمواجهة الحركات الجهادية المسلحة والذي ظهر جليا في إعلان فرنسا قبل يومين عن تنشيط وتوسيع تدخلها العسكري في مالي يعتبر عاملا مساعدا على التقارب المغربي الموريتاني نظرا لما لموريتانيا من دور كبير في إنجاح هذا التوجه بحكم تجربتها العسكرية وجوارها ولما تطمح له المغرب من دور وحضور أكثر فاعلية في شبه المنطقة.

المقال من مصدره: القدس العربي

مقالات ذات صلة

Sign In

Reset Your Password