السيادة الوطنية المفترى عليها في ملف بوعشرين

مؤسس أخبار اليوم توفيق بوعشرين

أصدرت لجنة تابعة لهيئة الأمم المتحدة منذ أسبوعين تقريرا حول اعتقال ومحاكمة الصحافي توفيق بوعشرين مؤسس يومية «أخبار اليوم»، واعتبرت الاعتقال تعسفيا، وطالبت بالإفراج عنه فورا، بل وأصرت على فتح تحقيق مع الذين اعتقلوه، وتعويضه ماديا عن الخسائر التي لحقت مؤسسته الإعلامية. لكن هذا الرأي القانوني لم يرق الدولة المغربية، التي اعتبرته مسا بالسيادة الوطنية وتفننت في التهجم على هذه المنظمة الدولية. والواقع أن مفهوم السيادة هنا مفترى عليه وبامتياز لاختزاله بشكل تبخيسي في قضايا حقوقية، ونسيان القضايا العميقة المتعلقة بمستقبل البلاد والتي تمس بالفعل السيادة الوطنية.
وأوضح الرأي الأممي، الذي صدر في 14 صفحة، أن أسباب ملاحقة بوعشرين تأتي بسبب ممارسته مهنته الصحافية بدون خطوط حمر، ونوعية التحقيقات التي قادته الى المحاكم. كما أشار القرار ذاته إلى أن متابعات بوعشرين قضائيا كانت دائما تتخذ طابع الحق العام، لإخفاء استهدافها لحرية الصحافة، وهذا، حسب الرأي القانوني، يمكن إثباته من خلال عدد من المتابعات السابقة لبوعشرين، التي تم ذكرها في عدد من التقارير الدولية، خاصة منظمة «مراسلون بلا حدود».
المغرب عضو في المنتظم الدولي والأمم المتحدة، ومنطقيا هو مطالب باستقبال الآراء والقرارات الدولية بنوع من الهدوء، وتغليب الحوار وليس شن حرب ضد هذه المنظمات، وكأنه يحارب الشيطان. الأمم المتحدة لا تعتبر منحازة في هذا الملف، لأن آخر ما يمكن قبوله هو ترويج أخبار تفيد بتوفر توفيق بوعشرين على نفوذ في الأمم المتحدة. من حق المغرب مناقشة الرأي الأممي، بل من حقه رفضه، لكن تبخيسه وباستعمال عبارات غير لائقة فهو اللامنطق لأسباب متعددة وواقعية.
أولا، خبراء الأمم المتحدة معترف بمهنيتهم وخبرتهم عالميا، ويأتون من خيرة الجامعات الدولية، ولديهم دراية بالقوانين الوطنية والدولية ومنها القانون المغربي والدستور المغربي.
ثانيا، تستعين الدولة المغربية بخبراء الأمم المتحدة في شتى القطاعات، وقد قدمت الأمم المتحدة المشورة للمغرب خلال العقود الماضية لتطوير قطاعات ومنها، القضاء.
ثالثا، تاريخ المغرب في خروقات حقوق الإنسان، يتطلب التريث وعدم التسرع، وهناك اعتراف من طرف هرم الدولة المغربية أحيانا مع مرور الوقت بوقوع الخروقات الفظيعة. ونسوق من ضمن الأمثلة، نفي الملك الراحل الحسن الثاني وجود السجن الرهيب تازمامارت الذي اعتقل فيه منظمو الانقلابات العسكرية سنتي 1971- 1972 وعاد واعترف بوجوده. وكانت الدولة المغربية تعتبر كل من تحدث عن تازمامات «زنديقا خارج الملة، ويفتري على السيادة الوطنية». وكانت الدولة تنفي وقوع خروقات بعد التفجيرات الإرهابية 16 مايو 2003 التي خلفت 45 قتيلا، وكل من تجرأ وتحدث عن الخروقات وصم بأنه إرهابي أو يساند الإرهابيين، ويريد ضرب السيادة الوطنية. واعترف الملك محمد السادس بنفسه في حوار مع جريدة الباييس بوقوع الخروقات.

رابعا، الدولة المغربية لجأت وتلجأ في بعض الأحيان إلى فبركة ملفات لصياغة اتهامات ذات طابع أخلاقي أو إجرامي، تستعملها ضد حرية التعبير، وستبقى حالة الصحافي حميد المهداوي مؤسس الجريدة الرقمية «بديل» مثالا تاريخيا في هذا الشأن، سيستعمل من طرف الأجيال اللاحقة للسخرية من عبقرية صنع الاتهامات. فقد اتهمت هذا الصحافي بعدم تبليغ السلطات بمكالمة مريبة حول نية البعض إدخال الدبابات الروسية الى الحراك الشعبي في الريف. هل يمكن قبول هذا الاتهام في وقت لم ينجح حتى المغرب في شراء دبابات روسية، سوى واحدة سنة 1991 وقام بتسليمها إلى الولايات المتحدة؟ والدبابات الروسية التي لديه هي من روسيا البيضاء وليس روسيا مباشرة.
الدولة غير الديمقراطية هي التي تستعمل وتقوم بتوظيف مفهوم السيادة بطريقة شوفينية للدفاع عن نفسها في ملفات حقوقية وسياسية، وكأن هذه الدولة حريصة كل الحرص على السيادة الحقيقية للوطن. ونبقى في حالة المغرب، إن القول بالمس بالسيادة الوطنية في حالة توفيق بوعشرين، هو في حد ذاته افتراء على السيادة الحقيقية للأمة المغربية. وهنا نتساءل: كيف يمكن للدولة المغربية الحديث عن هيبة البلاد، وهي التي رهنت مستقبل الأمة المغربية لصندوق النقد الدولي. فهي لا تحتج على توصيات صندوق النقد، عندما يؤكد وجود فساد في دواليب الدولة، تصمت لأنها في حاجة إلى القروض المالية، هذه القروض التي تعد وبالا على مستقبل البلاد. لماذا لا تنتفض الدولة وتعلق حالة الطوارئ لإنقاذ قرابة عشرة آلاف قاصر مغربي في إسبانيا وحدها، وقرابة 25 ألف قاصر مغربي في مجموع أوروبا، ومنهم فتيات صغيرات ضحايا العنف والإجرام والمخدرات والاستغلال والاغتصاب الجنسي؟ ضياع 25 ألف قاصر في أوروبا ألا يعتبر مسا بالشعور الوطني والسيادة الوطنية، يستوجب استنفارا حكوميا؟ ثم ألا يستوجب محاكمة الفاسدين الذين تسببوا في هذه الظاهرة؟
كشفت التقارير الدولية وبالأسماء وجود نافذين مغاربة في لوائح بنما والحسابات السرية في سويسرا، ولم يتحرك القضاء المغربي عكس ما فعل قضاء الدولة التي تحترم شعوبها مثل إسبانيا وفرنسا وألمانيا، أليس الصمت عن هذا النوع من الإجرام هو مس بالسيادة الوطنية، خاصة سيادة قطاع القضاء الذي يفترض أنه مطالب بفتح تحقيقات في هذا الشأن. يمكن إعطاء عشرات الأمثلة الأخرى حول السيادة الوطنية المفترى عليها من طرف الدولة المغربية نفسها. الأمم المتحدة لا تهدف إلى مواجهة الدولة المغربية، أو المس بسيادتها، كما يروج بعض السياسيين والمسؤولين، بل أعطت رأيا قانونيا اعتمد القوانين المغربية والاتفاقيات الدولية التي وقع عليها المغرب. وبدل المواجهة، كان على المغرب استقبال وفد أممي لتدارس الحالات التي جرى طرحها واستعمال الحجة القانونية في مواجهة الحجة القانونية.
استقبال وفد من الأمم المتحدة لن ينتقص من السيادة الوطنية، بل سيجعل المغرب ضمن الدول التي تحترم القانون الدولي، وتحترم توصيات وقرارات الأمم المتحدة.

Sign In

Reset Your Password