السعودية والولايات المتحدة وراء تراجع أسعار النفط لضرب طموحات ومخططات روسيا وإيران

صورة معبرة عن النفط

 دشن الاستنتاج الذي رسمه الباحث والمفكر الأمريكي توماس فريدمان المنشور في صحيفة «نيويورك تايمز» حول أزمة أسعار النفط في الأسواق الدولية، جوقة التكهنات بخصوص ما بدأ يوصف بالكارثة التي اجتاحت دول العالم كافة، ويترقب تداعياتها المنتجون والمستهلكون، مع مخاوف من حدوث انهيارات اقتصادية عابرة للقارات. التحليل الذي نشره مؤلف «العالم مسطح» ويؤكد فيه «ان الولايات المتحدة والسعودية يمكن ان تكونا تسعيان، سواء أكان ذلك على سبيل الصدفة أو العمد، إلى تجفيف مصادر روسيا وإيران المالية لإيصالهما إلى حافة الانهيار الاقتصادي». ويقول الكاتب «دعونا نفكر: أليس من الغريب ان تكون هناك 5 دول نفطية، هي ليبيا، والعراق ونيجيريا، وسوريا، وإيران، عاجزة عن إمداد الأسواق العالمية بالنفط، بسبب ما تعانيه من اضطرابات داخلية، وما تعانيه إيران من عقوبات اقتصادية. ومع كل هذه العوامل يشهد سوق النفط العالمية أكبر انخفاض في سعر البرميل ليصل إلى 88 دولارًا بعد ان ظل سعره لفترة طويلة يتراوح بين 105 و110 دولارات.
من الذي يستفيد؟ يسأل فريدمان، ويشير إلى ان بلاده «ترغب في ان تزيد من عقوباتها ضد روسيا، بخصوص أوكرانيا، وان تلدغ أكثر، حيث يخوض الأمريكيون والسعوديون حرباً بالوكالة ضد روسيا وإيران». ويجد المحللون أنفسهم في مفترق طرق بحثا عن تفسير منطقي وعملي لانهيار أسواق النفط الدولية. حدد بعضهم مجموعةً من العوامل المحتملة تمثلت في تزايد إنتاج الولايات المتحدة المتزايد، وتباطؤ الاقتصادات في أوروبا والصين (بلغت حد الإشباع)، بالإضافة إلى إنتاج منظمة الدول المصدرة للنفط (الأوبك) الثابت. وتذهب بعض القراءات إلى اعتبار ان المملكة العربية السعودية تمارس لعبة كسر الأمل الذي يعتري قلوب الدول المستفيدة من إنتاج النفط الصخري المكلف الذين يهمهم ان تظل الأسعار مرتفعة ولا تنزل عن 75 دولارا للبرميل لتحقيق عوائد وإلا فإنه لن يكون بوسعهم الاستمرار في إنتاج يكلف أكثر مما يجني. وهو الاحتمال الذي يتعارض طبعا مع الأول بوجود اتفاق بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية التي يهـــمها ان تظل الأسعار مرتفـــعة. هذا التناظر بين العوامل جعل المحللين يشعرون بصعوبة تحديد تفسير دقيق وعلمي للمسألة.
ويدق الخبراء ناقوس الخطر بالتأكيد على ان أسعار النفط بدأت في الانخفاض خلال فترة قصيرة، ليصل خام برنت إلى 83 دولارا للبرميل فاقدا ما يقرب من 30 دولارا. وينبه المتابعين لهذا المجال إلى انه في حال ما استمر هذا الانخفاض إلى ما دون ذلك، كاسرا حاجز السبعين دولارا، فإن هذا ينذر بتحولات جذرية في أسواق النفط، وربما بفترة ركود اقتصادي جديدة تذكّر بالانهيار المالي الذي حدث قبل ست سنوات في 2008. حينها بلغ سعر برميل النفط 40 دولارا للبرميل في ديسمبر/كانون الأول 2008 بعد صعود سريع لأسعار النفط، وصل إلى أكثر من 140 دولارا للبرميل في منتصف العام نفسه. أي انه في عام 2008 تذبذب سعر النفط في حدود مئة دولار، خلال ستة أشهر فقط. في حين انه في الأزمة الحالية لأسعار النفط فقد النفط أكثر من 30 دولارا في أقل من شهر واحد

أزمة عابرة للحدود

تواترت تصريحات لمسؤولي بعض الدول الخليجية بشأن الأزمة مشيرين إلى انهم غير منزعجين من هذا الانخفاض حتى الآن ولم تتأثر موازناتهم بسبب ذلك نظرا لعوامل عدة ولوجود فوائض مالية تم تحقيقها في السنوات الماضية. ولا تزال منظمتا «أوبك» و»أوابك» التي يعد أعضاؤها العرب ركائزها الأساسية ويمتلكون حصة الأسد من الإنتاج والاحتياطي تشاهد ما يحدث دون ان يكون لها دور مؤثر على الأعضاء فيما يتعلق بحصص الإنتاج، من أجل الحفاظ على مستوى أسعار يعكس العلاقة الحقيقية بين مصالح المستهلكين والمنتجين. وعاشت الدول العربية تجارب مماثلة في الثمانينيات والتسعينيات وفي العقد الأول من القرن الواحد والعشرين. وكلما تنخفض أسعار النفط تتأثر موازنات الدول النفطية العربية، ويتبعها تراجع أو تأجيل لمشروعات اقتصادية. ورغم الحديث عن الفوائض النفطية التراكمية، إلا انه يلاحظ ان عجز الموازنات العربية ظل سمة دائمة، ولم تنج الدول النفطية من هذه السمة إلا من خلال موجات ارتفاع أسعار النفط، فالسعودية مثلًا التي ظلت المنتج الأول للنفط على مستوى العالم لعقود ماضية شهدت عجزًا في موازنتها العامة في عام 2009 بعد الأزمة المالية العالمية بسبب انخفاض الطلب على النفط حيث بلغ العجز كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي 6.1 ٪، وفي الإمارات 8.3 ٪.
ويرى الخبير الدولي في مجال الطاقة الدكتور زهير حامدي ان تراجع الأسعار الذي تسجله الأسواق الدولية لا يعود فقط إلى قوانين العرض والطلب لأن النفط له عوامل عدة تضبطه مثل التفاهمات الموجودة على المستوى السياسي، أو على مستوى الشركات. ويؤكد الباحث الذي يشرف على مشروع الطاقات المتجددة في مركز أبحاث في الدوحة ان تاريخ القطاع مليء بالأمثلة التي تجسد وجود مثل هذه الخلفيات التي تسير الأسواق بعيدا عن العرض والطلب العوامل الظاهرة للعيان. وحول تفسير الأزمة الحالية يؤكد الخبير الدولي ان الصورة لازالت حتى الآن ضبابية ولا توجد أدلة دامغة ومقنعة حول هذه التحركات للاستدلال بها، أي دفع الأسعار نحو الانخفاض. ويشير الدكتور زهير إلى ان هناك مؤشرات تذهب في اتجاه وجود أطراف تستفيد من تراجع الأسعار لكن من دون اعتبار الأمر مسلمة ما لم تكن هناك أدلة ثابتة يمكن الاستناد عليها في هذا التحليل. وحول ارتباط أسعار النفط بالغاز يلفت الباحث إلى ان الثاني يرتبط أساسا بعقود طويلة الأجل وهي مرتبطة بأسواق النفط، وبالتالي الدول التي تعتمد على النفط الأبيض الموجود مع حقول الغاز (سوائل موجودة في حقول الإنتاج)، سوف تتأثر تدريجيا بهذه الأزمات. ويشير الخبير الدولي إلى ان الدول التي بنت موازناتها على سعر مرجعي مرتفع للنفط سوف تتأثر كثيرا بالأزمة والتي ستخلق لها مشاكل كثيرة خصوصا في تمويل المشاريع الانشائية والبنى التحتية وتنعكس على الإنفاق الحكومي.
ويؤكد ان قطر التي وضعت سعرا توازنيا للنفط في سقف 54 دولارا للبرميل ستكون حتى الآن مرتاحة وتتجاوز العاصفة في حال لم تنهار الأسعار إلى ما دون المستوى الحالي، في حين ان الدول التي بنت توقعاتها على سعر مرجعي للنفط فوق 80 دولارا للبرميل سوف تشهد أزمات شديدة تسبب لها عجزا في الموازنة وتخفيضا للنفقات العامة تنعكس على المستوى الاقتصادي والاجتماعي.
ولا تزال معظم الدول تحبس أنفاسها على توقيتات إقفال بورصة النفط الدولية وتتخوف في كل يوم يمر عليها من ان تشهد انهيارا للأسعار في اليوم الموالي بما يمكن ان يسبب في حدوث أزمة اقتصادية دولية عاصفة وعابرة للحدود تساهم في انتكاسة لاقتصادات دول عديدة. ولا يقدم الخبراء حتى الآن أي تفسير دقيق وعلمي لهذه الوضعية التي تشهدها أسواق النفط الدولية بعيدا عن التفسيرات التي يرى الكثيرون انها ليست دقيقة بما يكفي للجزم بصحتها ما لم تتضح مؤشرات هذه الأزمة أكثر.

مقالات ذات صلة

Sign In

Reset Your Password