الحرب الحقيقية لترامب هي الاقتصادية ضد الصين وستقوده للفوز بالولاية الثانية/ د. حسين مجدوبي

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب

سجلت البطالة انخفاضا تاريخيا في الولايات المتحدة خلال شهر إبريل/نيسان الماضي، ويجب العودة إلى سجلات التاريخ، نصف قرن تقريبا  للعثور على نسبة مماثلة، رغم الفارق في الظروف الاقتصادية بين الأمس واليوم.
هذا المعطى، الناتج عن المواجهة الاقتصادية مع الصين هو الذي قد يجعل الناخب الأمريكي يصوت لدونالد ترامب رئيسا للمرة الثانية، رغم كل الفضائح التي ترافق ولايته الرئاسية الأولى. بينما تبقى العلاقات الخارجية في مرتبة هامشية لهذا الناخب، وتهتم بها فقط الطبقة السياسية والمثقفة في المدن الكبرى مثل، واشنطن ونيويورك وبوسطن وشيكاغو وسان فرانسيسكو.
وكشفت الإحصائيات الاقتصادية والمالية انخفاض البطالة خلال شهر إبريل الماضي إلى 3.6% من اليد العاملة النشيطة، بعدما جرى خلق مناصب شغل وصلت إلى 260 ألفا خلال الشهر نفسه. ومن باب المقارنة، هذه النسبة لا يمكن العثور عليها سوى خلال شهر ديسمبر/كانون الأول من سنة 1969. ويشهد الاقتصاد الأمريكي تقدما خلال السنتين الأخيرتين، رغم اختلاف الظروف بين الأمس واليوم. في الماضي، كانت الولايات المتحدة تنتج كل ما تحتاج في مصانع البلاد من لباس ومعدات إلكترونية وسيارات، وهذا كان يوفر فرص العمل للمواطن الأمريكي، بينما الآن هي تعتبر أكبر سوق للمنتوجات العالمية، ونصف ما تستهلكه هو مستورد من الخارج، ويكفي أن كل الماركات الأمريكية الشهيرة بمختلف أنواعها تصنع أغلب منتوجاتها في الصين. هذه الإجراءات الاقتصادية التي تنعكس مباشرة على القدرة الشرائية  للمواطن الأمريكي، هي العامل الذي قد يقنع الناخب بالتصويت له مجددا في الانتخابات التي ستجري السنة المقبلة، يضاف إلى هذا استمرار غياب شخصية من الحزب الديمقراطي ذات حضور قوي.

ويوجد شرخ في كيف يتم النظر للرئيس ترامب، فبينما يراه العالم على ضوء العلاقات الدولية، ويستمد هذه الرؤية أساسا من الطبقة السياسية والمثقفة في كبريات المدن مثل واشنطن ونيويورك وشيكاغو سان فرانسيسكو وبوسطن التي تنتقده بشدة، ينظر المواطن العادي إلى ترامب من منظار محلي محض، أي هل استفاد اقتصاديا منذ مجيئه للرئاسة، وهل قدم الجديد في القضايا الكبرى التي تشغل باله. بعض المعلقين يقولون «نيويورك تايمز» و»واشنطن بوست» لديهما تأثير في الخارج أكثر من العمق الأمريكي في أداهو ونبراسكا ومونتانا، وغالبية الشعب الأمريكي لم تسمع بمجلات مثل «ذي أتلنتيك».
لقد وعد ترامب خلال الحملة الانتخابية والثلاث سنوات التي تلتها بتطبيق أربعة تعهدات رئيسية أمام ناخبيه، والجهات التي تقف وراء ترشيحه، ومنهم مجموعة من الجنرالات، ويبدو أنه نجح في التطبيق وهي التي ستكون طريقه إلى الفترة الولاية الثانية، وهذه التعهدات هي:
*في المقام الأول، تشديد الضرائب على المنتوجات الصينية الموجهة للسوق الأمريكية، وذلك لتحقيق هدفين، هدف يتجلى في منع الصين من بناء قوتها العسكرية والاقتصادية على حساب الاقتصاد الأمريكي، وهدف آخر يتمثل في رفع الضرائب على الواردات الصينية لتصحب غالية، وهذا سيساهم في خلق فرص الشغل في الولايات المتحدة. ولهذا، عندما يتابع العالم فرضية الحرب ضد إيران، يبقى ترامب منشغلا بحربه الحقيقية وهي، تقليص الوجود الاقتصادي الصيني في السوق الأمريكية حتى لا تصبح دولة قوية على حساب الولايات المتحدة.
*في المقام الثاني، التشدد في مواجهة الهجرة القادمة من المكسيك وأمريكا اللاتينية، حتى لا يرتفع تأثير اللاتينيين على المجتمع الأمريكي، ويشكلون أكثر من 25% خلال السنوات المقبلة. وهذا هاجس المؤسسة العسكرية والاستخباراتية والدبلوماسية التي ترغب في الحد من هذه الهجرة، كما يعتبر هاجس المواطن الأمريكي، سواء الأبيض أو الأسود، بل حتى من أصول آسيوية الذي يؤمن إيمانا قويا بما أصبح يسمى «الخطر اللاتيني» المقبل من الجنوب.  لهذا، يستمر ترامب بشكل دوري وتدريجي في تطبيق برنامجه الخاص بالهجرة بما في ذلك مواجهة الكونغرس حول بناء السور في الحدود مع المكسيك.
*وفي المقام الثالث، إرضاء الناخب الديني المتعصب الذي يعتقد في عودة المسيح، ويمر هذا عبر تقوية دولة إسرائيل، والاعتراف بالقدس عاصمة ونقل السفارة إليها، كما فعل خلال ديسمبر 2017. العنصر الديني هنا هو الحاسم ولكن لا يلقى اهتماما من طرف الباحثين والمحللين، خاصة في العالم العربي. وكان استطلاع للرأي من إنجاز مركز بيو للأبحاث قد كشف سنة 2013 أن نصف المسيحيين في الولايات المتحدة يعتقدون بعودة المسيح قبل سنة 2050، ويعتقدون أن هذا يمر عبر قيام «دولة إسرائيل الكبرى»، ويعد ترامب من أشد المؤمنين بهذه النظرية، لهذا أقدم على الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل.
*وفي المقام الرابع، القاعدة الانتخابية للرئيس ترامب ترفض لعب الولايات المتحدة دور دركي العالم، وترفض رفضا كبيرا التدخل العسكري في مناطق العالم، لهذا صدرت عنها انتقادات قوية عندما شاركت واشنطن في قصف سوريا منذ سنتين، واضطر ترامب إلى تقديم اعتذار نسبي لناخبيه على هذه المشاركة. وعليه، رغم التصريحات النارية بالحرب التي تصدر عن ترامب، فهو حريص على تجنب أي حرب، باستثناء الرد على الاعتداءات، وهو خطابه الحالي مع إيران. وربما سيكون الرئيس الأمريكي الوحيد خلال العقود الأخيرة تقريبا الذي لن يشارك أو يتسبب في أي نزاع مسلح (باستثناء ما وقع في سوريا). ويحدث هذا رغم وجود صقور الحرب في إدارته وعلى رأسهم مستشاره جون بولتون. ويؤكد ترامب دائما على أن «حرب العراق كانت أكبر خطأ فادح في تاريخ الولايات المتحدة»، وبطبيعة الحال لن يكرر هذا الخطأ. وهو يؤمن بموقف داخل البنتاغون ووسط العديد من القادة العسكريين الذي يقول: كلما تورطت الولايات المتحدة في حرب تفكك مجتمعها وخسرت طاقاتها لصالح الصين، وبالتالي ستفقد ريادتها للعالم.
ومنذ نهاية الحرب الباردة، لم يعد المواطن الأمريكي يشعر بالرعب، ولهذا لم يعد خطاب الحرب يشكل فرصة للفوز بالأصوات. خطاب الحرب الباردة ساعد رونالد ريغان على الفوز في الانتخابات، لكن الحرب ضد إيران أو روسيا لن تساعد ترامب، ولهذا يركز على حربه الحقيقية وهي الحرب الاقتصادية ضد الصين التي تضمن الفوز بولاية ثانية.

Sign In

Reset Your Password