الحرب الأوكرانية بين فرضية الحلف الأطلسي بامتدادها لسنوات ورؤية موسكو بقرب نهايتها

الريس الروسي فلاديمير بوتين

قال مسؤولو منظمة شمال الحلف الأطلسي باحتمال امتداد الحرب الروسية-الأوكرانية مدة طويلة قد تكون شهورا وقد تكون سنوات. وهذه التصريحات تبقى فرضية صعبة القبول خاصة امتداد الحرب لسنوات لأن الهدنة مرتبطة بمدى تنفيذ موسكو الأهداف الاستراتيجية التي أعلنتها ثم كيف ستتصرف سلطات أوكرانيا مستقبلا.

وصرح الأمين العام للحلف الأطلسي ينس ستولتنبرغ الأربعاء من الأسبوع الجاري «لنكن واقعيين، الحرب قد تمتد طويلا، لشهور وربما سنوات طالما لم يتخل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن هدفه الرئيسي وهو التحكم في مجموع أوكرانيا». وبهذا التصريح خلق حالة من التشاؤم والقلق في أوساط الرأي العام الغربي والعالمي بحكم انتظار العالم نهاية الجائحة لاستعادة إيقاع الحياة العادية ويتفاجأ بهذه الحرب التي تهدد بالامتداد إلى مجموع أوروبا إن خرجت عن السيطرة.
في المقابل، تعد تصريحات الأمين العام للحلف الأطلسي صعبة لأن الحرب لن تمتد كثيرا في الزمن، إذ توجد معطيات تمنع ذلك وهي: فقدان أوكرانيا القوة العسكرية التي كانت تتمتع بها بسبب القوة النارية الروسية التي دمرت الكثير من البنيات العسكرية. ويضاف إلى هذا عجز الغرب عن توفير أسلحة متطورة ونوعية للقوات الأوكرانية تستطيع بها تحقيق ولو نصر صغير على القوات الروسية. وارتباطا بهذا، لم ينجح الغرب في تنفيذ أي من وعوده العسكرية مثل تزويد أوكرانيا بالطائرات والدبابات والمدرعات. فمن جهة، دول الغرب لا تريد التفريط في سلاحها تحسبا لتوسع الحرب، ومن جهة أخرى، في ظل هيمنة روسية على الأجواء الأوكرانية يبقى إدخال أسلحة ثقيلة عملية صعبة للغاية. واستفادت القوات الأوكرانية من أسلحة صغيرة فتاكة مثل ستينغر وجافلين غير أنها لم تحقق فرقا في الحرب باستثناء تدمير بعض الدبابات والمدرعات الروسية.
ويبقى هاجس الأوروبيين هو محاولة احتواء الحرب حتى لا تمتد إلى باقي أوروبا، مما سيجعلها حربا دولية ستكون القارة الأوروبية مسرحا لها في حين ستبقى الأراضي الروسية والأمريكية بعيدا عن الدمار. وعمليا، بدأ هذا الشعور يتنامى في أوروبا لاسيما بعدما اكتشف الأوروبيون مدى حاجتهم إلى الغاز والنفط وبعض المواد الأولوية الروسية. غير أن قرار الحرب يبقى أساسا في يد الكرملين أكثر من أوكرانيا والغرب، بمعنى هل حققت روسيا ولو نسبيا الأهداف المعلنة من هذه الحرب؟ تجد في الغرب قراءتان للحرب الحالية، قراءة تعتبر تصريحات لسياسيين غربيين يتحدثون عن فشل الغزو الروسي لأوكرانيا، وقراءة متحفظة لقادة عسكريين سابقين يدلون برأيهم في مناسبات قليلة ويبرزون تحقيق روسيا لأهدافها. وعلاقة بهذه النقطة، لا يغامر أي قائد عسكري بسمعته ويدلي بتصريحات قد تظهره لاحقا وقد تعمد التغليط أو قرأ المشهد العسكري بشكل خاطئ.  في هذا الصدد، يقول رئيس الأركان الإسبانية السابق فيرناندو أليخاندري لجريدة «20 دقيقة» التي تنشر بلغات مختلفة أن «روسيا لا تنوي احتلال أوكرانيا لأنها دخلت بفيالق محدودة، ونجحت في القضاء على الطيران الأوكراني، ورأينا تلك القافلة التي طولها 60 كلم ولا أحد يستطيع مهاجمتها».
على أرض الواقع، نجحت روسيا في تدمير البنية العسكرية الأوكرانية بشكل خطير للغاية، فقد دمرت غالبية المطارات العسكرية، وقضت على الطيران الحربي وغالبية الدبابات، وتدمر مصانع الأسلحة ومخازن الذخيرة. وكان الجيش الأوكراني يحتل المركز 22 عالميا قبل بداية الحرب، والآن قد يكون في المركز بعد السبعين بعدما فقد غالبية عتاده النوعي ومع ربما أكبر جيش في العالم يتجاوز 300 ألف بين جندي نظامي وميليشيات عسكرية ولكن بدون أسلحة ثقيلة كافية.
على أرض الواقع كذلك، تقترب روسيا من السيطرة على إقليم دونباس وعلى جزء هام من شواطئ أوكرانيا المطلقة على البحر الأسود، وكل الدلائل تشير إلى فرضية الدفع نحو الاستقلال التام للمنطقة وترتبط بروسيا. وتبقى السيطرة على دونباس الهدف المعلن الرئيسي الذي شدد عليه بوتين خلال ذلك الاجتماع الشهير لمجلس الأمن القومي الروسي يوم 22 شباط/فبراير الماضي، وجرى نقله مباشرة على التلفزيون في سابقة تاريخية من نوعها. ويبدو أن القوات الروسية تحاول ضم كل المنطقة الممتدة من أوديسا إلى خاركوف كحدود جديدة بين البلدين، ولهذا يتم توجيه الثقل العسكري الروسي نحو شرق أوكرانيا.
على أرض الواقع كذلك، حققت روسيا أحد الأهداف الرئيسية المتمثلة في اقتناع أوكرانيا بعدم الانضمام إلى منظمة شمال الحلف الأطلسي مستقبلا، وقبل الرئيس الأوكراني فلويديمير زيلينسكي بهذا الشرط بل وسيصبح الحديث عن الانضمام إلى الحلف من التابوهات في السياسة الأوكرانية. وقبول زيلينسكي بالشرط الروسي يعني قطع المفاوضات الشوط الشائك في انتظار ترتيبات أخرى تهم دونباس.
معطيات الحرب والمفاوضات التي تحقق تقدما رغم التعثر وأمام محدودية الدعم العسكري الغربي للقوات الأوكرانية وخطر تمزق هذا البلد علاوة على مقاومة الاقتصاد الروسي للعقوبات التي يبدو أنها لم تؤثر عليه كثيرا، يبدو أن الحرب الروسية ضد أوكرانيا  قد تكون اقتربت من الشوط الأخير، شوط قد يطول نسبيا وفق إيقاع المواجهات وتطورات الوضع في شرق أوكرانيا.

Sign In

Reset Your Password