الأحزاب القومية تعلن وثيقة استقلال كتالونيا عن اسبانيا ومدريد تهدد بالتدخل

تظاهرة سابقة من أجل استقلال كتالونيا

تعيش اسبانيا منعطفا شائكا وحساسا بعدما قامت الأحزاب القومية الكتالانية يومه الثلاثاء 28 أكتوبر بتسجيل وثيقة في البرلمان الكتالاني تعلن بموجبها الاستقلال عن اسبانيا والبدء في تأسيس جمهورية جديدة خلال الشهور المقبلة. وتهدد حكومة مدريد باللجوء الى المحكمة الدستورية بل واحتمال تجميد الحكم الذاتي في هذا الإقليم والتهديد بوسائل أخرى.

وسجل كل من ائتلاف “”جميعا من أجل نعم” المكون من حزبي التوافق الديمقراطي الكتالاني وحزب  واليسار الجمهوري الكتالاني مع نواب حزب اللائحة الموحدة للشعب الوثيقة الرسمية التي تعتبرها “وثيقة إعلان الاستقلال” عن اسبانيا وإعلان “جمهورية كتالونيا”.

ويأتي هذا الاعلان تطبيقا للاتفاق بين الأحزاب القومية الكتالانية بعد الانتخابات التشريعية الخاصة بالإقليم والتي جرت يوم 27 سبتمبر الماضي ومنحتهم الفوز بالأغلبية. وأعلنت الأحزاب نيتها مصادقة البرلمان على الوثيقة قبل الشروع في انتخاب رئيس الحكومة الكتالانية خلال العشرة أيام المقبلة.

وتدعو الوثيقة الى بدء الإجراءات المناسبة لوضع أسس “الدستوري الكتالاني الخاص بالجمهورية الكتالانية التي يفترض أن ترى النور السنة المقبلة. وتنص على ضرورة البدء خلال الثلاثين يوما المقبل في إجراءات الخاصة بمصلحةالضرائب والضمان الاجتماعي ومؤسسات أخرى للدولة المقبلة. كما تنص على عدم خضوع الحكومة المقبلة التي ستتشكل يوم 7 نوفمبر المقبل للقوانين الدولة الإسبانية وخاصة المحكمة الدستورية”. وتعتبر ما أصبح يعرف بوثيقة الاستقلال المحكمة الدستورية الإسبانية فاقدة للشرعية ولا يمكنها التدخل في بناء الدولة الكتالانية.

وفي الاتجاه نفسه، تنص الوثيقة على بدء المفاوضات مع المؤسسات الإسبانية من أجل فك الارتباط الحاصل الآن بين اسبانيا وكتالونيا ومنها اقتسام الكثير من المؤسسات والتفاهم على ملفات شائكة منها الدستورية والاقتصادية. وتدعو الوثيقة الى بدء مفاوضات مع تجمعات مثل الاتحاد الأوروبي بشأن قبول الدولة الكتالانية في صفوفه مستقبلا والتعامل بعملة اليورو وكذلك مع منظمات أخرى منها الأمم المتحدة ودول تعتبرها كتالونيا هامة لها. وتؤكد مصادر القوميين الكتالان أنه سيتم إخبار كل الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا والصين والهند والبرازيل ودول ذات أهمية خاصة لكتالونيا مثل المغرب بحكم جاليته الكبيرة في هذا الاقليم والاستثمارات الكتالانية في المغرب.

وكان برلمان كتالونيا قد اختار يوم الاثنين من الأسبوع الجاري كارمين فوركاديل رئيسة لهذا المجلس التشريعي. وهي سياسية قومية راديكالية كانت رئيسة اللجنة المنظمة لأكبر تجمعات والمسيرات للمطالبة بتقرير المصير. وافتتحت فوركاديل كلمتها أول أمس الاثنين بعبارة “عاشت الجمهورية الكتالانية”.

  ولم تتفاجأ الحكومة الإسبانية بهذا التحدي الجديد، فهي تدرك جيدا التوجه الذي تسير فيه كتالونيا. ورد رئيس الحكومة ماريانو راخوي مباشرة بندوة صحفية وبنبرة تهديدية، وقال: “قرار البرلمان الكتالاني هو عمل استفزازي ولن يكون له أي وقع، والدولة ستلجأ الى مختلف الآليات السياسية والقانونية للدفاع عن وحدة الشعب الإسباني”. وتابع “الذين يرغبون في فصل كتالونيا عن اسبانيا لن ينجحوا، أمامهم القانون وحكومة ستطبق القانون، والعدالة ستتغلب على المغامرات السياسية”.

وهذه التصريحات هي تهديد مباشر للحكومة الكتالانية المقبلة بتطبيق القانون الإسباني الذي يعني في هذه الحالة تعليق الحكم الذاتي نهائيا وتولي الحكومة المركزية تسيير شؤون كتالونيا. وقد هدد وزير العدل الإسباني منذ أيام بهذا الاحتمال.

وكانت عناوين الصحف مساء أمس في نسختها الرقمية في شبكة الإنترنت دالة على التحدي الجديد الذي تشهده اسبانيا، وكتبت جريدة الباييس “الأحزاب القومية الكتالانية تتفق على القطيعة مع باقي اسبانيا”. واختارت جريدة الموندو “الأحزاب القومية الكتالانية تتفق على الانفصال عن اسبانيا”، أما جريدة لفنغورديا فكان لها عنوان مخالف وهو “الأحزاب القومية الكتالانية تسجل مقترحا من أجل دولة مستقلة”.

وتأتي هذه التطورات لتؤكد عزيمة الأحزاب الكتالانية على المضي قدما في حمل الاستقلال عن اسبانيا مهما كانت النتائج السياسية المترتبة عنه. وبعد هذا الاعلان، ستكون الخطوة المقبلة هو اختيار الحكومة التي ستنفذ وثيقة الاستقلال، لتدخل اسبانيا منعطفا خطيرا في حياتها السياسية، وقد تنتقل العدوى الى أقاليم أخرى مثل بلد الباسك الذي ينوي بدوره الانفصال عن اسبانيا ابتداء من سنة 2017.

وسيحمل انفصال كتالونيا، في حالة حدوثه، عن اسبانيا تأثيرات قوية على هذه الأخيرة، إذ تبلغ مساحة كتالونيا قرابة 33 ألف كلم مربع، وتتجاوز الساكنة  سبعة ملايين ونصف مليون نسمة ويصل الانتاج القومي الخام للبلاد حوالي 210 مليار يورو بدخل فردي يناهز 27 ألف يورو. وهذا يترجم بفقدان اسبانيا قرابة 8% من مساحتها و14% من السكان و19% من إنتاجها القومي وقرابة 26% من الصادرات. وهذه المعطيات ستجعل اسبانيا تخسر الكثير من وزنها استراتيجيا في الغرب والاتحاد الأوروبي والبحر الأبيض المتوسط.

مقالات ذات صلة

Sign In

Reset Your Password