افتتاحية/قضية المهداوي: القضاء متقاعس في صون أمن المغاربة إذا لم يقم بتوظيف كل الوسائل لمعرفة هوية البوعزاتي

تشهد قضية الصحفي حميد المهداوي تطورات مقلقة للغاية بسبب الدور المبهم للقضاء المغربي في  معالجة هذا الملف ومنها الذهاب بعيدا في التحقيق خاصة في حالة هوية البوعزاتي. وبدأت كل المؤشرات تؤكد أن الهدف كان هو إخراس صوت شهم في الصحافة المغربية بدل تخصيص القضاء وقته لمعالجة الفساد ومنها بنما واختلاسات التعليم.

وكانت الجلسة الأخيرة من المحاكمة مثيرة بسب المعطيات التي وردت فيها، فقد اتهم الصحفي جهات من القصر ومن الاستخبارات بالتورط في هذا الملف بعدما رفض إغراءات عرضت عليه لتغيير خطه التحريري من منتقد لتصرفات وإخفاقات السلطة الى مصفق لنجاحاتها الافتراضية.

وكانت التهمة هو التستر على مكالمة هاتفية تهم الأمن القومي المغربي وهي تتعلق بشخص يسمى إبراهيم بوعزاتي قال بأنه سيرسل أموالا ودبابات روسية الى الحراك الشعبي في الريف. من الغرابة بكل المقاييس اعتماد الأمن والقضاء هذه التهمة بشكل رسمي للأسباب التالية:

لم يسبق لأي حراك سياسي في العالم بل ولأي حركة مسلحة أن اعتمدت أسلحة ثقيلة رغم سيطرتها على مساحات أرضية شاسعة، ولعل من الحركات القليلة في العالم التي لديها دبابات هي جبهة البوليساريو التي توصلت بها من طرف الجزائر ولم تشتريها من السوق الدولية.

لا توجد سوق سوداء للدبابات، فالتي تبيع الدبابات هي الدول والتي تقتنيها هي الدول باستثناء دبابات المتاحف. وتوقع الشركة المصنعة للدبابات الروسية “أورفغاغونزفود” الصفقات مع الدول. وإذا كانت روسيا تتحفظ على بيع الدبابات للمغرب منذ الحادثة الشهيرة لسنة 1991 فكيف ستبيع الدولة الروسية دبابات للحراك. سنة 1991 اقتنى المغرب دبابة واحدة وسلمها للولايات المتحدة للإطلاع عليها، منذ ذلك التاريخ والصناعة الروسية تتحفظ على بيع المغرب أسلحة متطورة رغم ما يقال عن الصفقات في السلاح. وهذا ما دفع المغرب يفكر في اقتناء دبابات صينية. وعلاوة على صعوبة اقتناء المغرب دبابات، كيف سيتم نقل الدبابات عبر أوروبا نحو المغرب في ظل المراقبة الشديدة للحدود بسبب الإجرام المنظم والإرهاب.

وعلاق بإبراهيم بوعزاتي، فقد نشر هذا الشخص أشرطة في يوتوب، وتبين أن صوته مخالفا لصوت المكالمة الهاتفية بل من ذلك الصنف الذي يوصف “بالعياشة”، بل ندد بإقحام شخصه في هذا الملف.  لماذا لا ترسل الدولة المغربية إنابة قضائية الى هولندا للتحقيق مع البوعزاتي. فهذا الأخير نشر بيانا للرأي العام يحمل توقيعه ورقم بطاقته الوطنية يندد فيها بإقحامه في هذا الملف.

إن المكالمة الهاتفية التي توصل بها المهداوي كانت عبر الهاتف وليس عبر وسائل التواصل مثل الواتساب أو فيبر أو سينيال التي يصعب على الأجهزة الأمنية والاستخباراتية في المغرب بل معظم دول العالم التنصت عليها ورصدها. إن الجهة أو الشخص الذي يرغب في إدخال أسلحة يلتزم أقصى درجات السرية، إما يتحدث عبر شفرة متفق عليها أو عبر برامج يستحيل التنصت عليها مثل واتساب أو سينيال. وعليه: ما هو السر في استعمال الجهة المجهولة التي اتصلت بالمهداوي الهاتف الكلاسيكي. إن الجواب بسيط، كان الغرض هو تسجيل المكالمة.

ويبقى الأخطر في هذا الملف، طالما أن الدولة المغربية متأكدة من وجود جريمة وهي إدخال دبابات، فهي مطالبة بتوظيف كل الوسائل لحماية الشعب المغربي حتى لا تكون شريكة في هذه الجريمة المفترضة، لأن التقاعس في البحث عن الجهة التي تقصمت شخصية إبراهيم بوعزاتي (طالما الأخير ينفي علانية) هو مشاركة في الجريمة وتهديد أمن المغاربة.  لقد استعمل المفترض البوعزاتي هاتفا عاديا وليس برنامج مثل واتساب. حتى وإن أخفى الرقم، يكفي أن تعطي الدولة المغربية لنظيرتها الهولندية رقم المهداوي لتصل ، هولندا، الى الرقم الذي اتصل وأين كان مكان المتصل ساعة الاتصال بالضبط،  وكل هذا سيسهل معرفة هوية المتصل. والتساؤل العريض: لماذا لم تقم الدولة المغربية بهذا الإجراء؟

حفاظا على الأمن القومي للشعب المغربي، الدولة المغربية مطالبة بتوظيف الوسائل القانونية للوصول الى صاحب المكالمة، مطالبة الاستخبارات الهولندية بتزويدها برقم المتصل، وإرسال إنابة قضائية للإستماع الى البوعزاتي. كما يجب استدعاء السفير الروسي للمحاكمة لمعرفة هل كانت بلاده تنوي بيع دبابات للحراك؟

وكل تقاعس سيعني أن هذا الملف وراءه خلفيات مبيتة وهي ببساطة الانتقام من الصحفي المهداوي بعدما انتقل من الكتابة الى أشرطة في يوتوب وبدأ يتجاوز مائة ألف مشاهد ويطرح الكثير من الإشكاليات حول مصير ثروات البلاد ومن اختلسها. لو كانت الدولة المغربية متأكدة من صحة خبر المكالمة، لما انتظرت اعتقال المهداوي للتحقيق معه بل لأعلنت حالة استنفار للتحقيق في الموضوع وطنيا ودوليا.

بالأمس جرى عرض ملف توفيق بوعشرين على الأمم المتحدة، وكان رأيها الذي طالب بضرورة الإفراج عنه، إذا عرض ملف المهداوي سيكون من ضمن الأمثلة التي ستستعملها الأمم المتحدة لدراسة غرابة تلفيق الاتهامات.

Sign In

Reset Your Password