اعتمادا على نموذجي مصر والجزائر، بوتين يستقطب الدول عبر بيع الأسلحة النوعية لضرب هيمنة الغرب

الرئيس الروسي فلادمير بوتين

كشف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن استراتيجية جديدة لاستقطاب الدول الى صف بلاده خاصة في ظل التطورات الجيوسياسية التي يشهدها العالم في أعقاب الحرب في أوكرانيا، وتقوم على مخطط موسكو بيع أسلحة متطورة ونوعية الى الدول الصديقة لكي تبتعد عن هيمنة الغرب. وهي تكملة لاستراتيجية سابقة طرحها منذ سنوات حول ضمان الأمن القومي للدول الصديقة في حال تعرضها لاعتداء خارجي.

وكشف بوتين عن الاستراتيجية الجديدة خلال افتتاح المعرض السنوي للأسلحة الروسية بداية الأسبوع الجاري. وشددت روسيا على ذلك كذلك خلال مؤتمر موسكو للأمن الدولي وهو منتدى مخصص للتباحث حول القضايا العالمية لاسيما من الناحية العسكرية. واطلعت الوفود المشاركة  والقادمة من 80 دولة إفريقية وآسيوية ومن أمريكا اللاتينية على آخر ما توصلت إليه الصناعة العسكرية الروسية، لاسيما التي دخلت الخدمة في الجيش الروسي ويتم الترخيص بتصديرها في حين لا يتم استعراض بعض الأسلحة التي تدخل في نطاق السرية.

وخلال هذا المنتدى، قال بوتين “مستعدون لنقدم لحلفائنا أحدث أنواع الأسلحة؛ من الأسلحة الصغيرة، إلى المركبات المدرعة والمدفعية، إلى الطائرات الحربية والطائرات المسيرة”، وتابع قائلا “في جميع أنحاء العالم، يُقدّر الخبراء (هذه الأسلحة) لموثوقيتها ونوعيتها وفعاليتها الكبيرة خصوصًا؛ إذ وُظّفت جميعها تقريبًا عدة مرات في ظروف قتالية عديدة… هذا المنتدى سيتيح الفرصة للتعرف على الذكاء الصناعي والمدارس العلمية والتصميمية”. وفي نقطة تستهدف استقطاب الدول التي ترغب موسكو في تطوير العلاقات معها، أوضح زعيم الكرملين “هناك روابط قوية تجمع موسكو بدول من أميركا اللاتينية وآسيا وأفريقيا، وهي دول لا تنحني أمام ما تسمى بالهيمنة (الغربية)، وأن قادتها يظهرون رجولة حقيقية”. وكان يشير بذلك الى رفض عدد من الدول إدانة الحرب الروسية ضد أوكرانيا رغم ضغوطات الغرب.

ويأتي هذا المنتدى وأساس هذه الاستراتيجية بعد مرور قرابة ستة أشهر عن الحرب التي تخوضها روسيا ضد أوكرانيا، وترتب عنها دخول العالم مرحلة جديدة، حيث تبحث معظم الدول على تعزيز قوتها العسكرية في ظل تهافت كبير على سوق السلاح. وارتباطا بهذا، تتجلى استراتيجية موسكو في بيع أسلحة نوعية الى الدول التي ستتقرب من روسيا وتقيم معها علاقات استثنائية، وتحاول موسكو استغلال نواقص سياسة بيع الغرب السلاح الى دول غير غربية. ارتباطا بهذه النقطة، عندما تبيع الولايات المتحدة ودول أخرى مثل فرنسا وبريطانيا أسلحة الى دول ثالثة غير غربية تكون نسخ العتاد العسكري ثانوية لا تتوفر على مزايا السلاح الغربي. مثلا، يوجد فرق كبير بين مقاتلة أمريكية من نوع ف 16 أو ف 15 تعمل في سلاح الجو الأمريكي وتتمتع بخصائص جد متطورة مقارنة مع المقاتلة نفسها التي جرى بيعها الى دول عربية أو آسيوية وبها خصائص محدودة.  وعليه تقوم استراتيجية موسكو  على ما يلي:

في المقام الأول، تقديم أسلحة متطورة ونوعية مع الصيانة والمعدات بل حتى إمكانية تصنيع الذخيرة في البلد المشتري حالة تطوير العلاقات، وكل هذا بأسعار رخيصة مقارنة مع أسعار السلاح الغربي. ومن باب المقارنة، مقاتلة روسية مشابهة لمقاتلة أمريكية من حيث الجودة وربما امتيازات أخرى تساوي تقريبا ما بين النصف وثلثي سعر الأمريكية.

في المقام الثاني، تقدم روسيا ضمانات مسبقة بأنها طبقت هذا الالتزام مع عدد من الدول التي تقف في صف موسكو أو على الأقل تتبنى مواقف غير متحيزة للغرب. وبالتالي، أصبح في القاموس الروسي العسكري أن كل دولة تطور العلاقات مع موسكو يعني حصولها على الأسلحة الروسية المتطورة.

ارتباطا بالنقطة الأخيرة، إلى جانب الصين والهند أكبر زبونين للسلاح الروسي، باعت موسكو أسلحة نوعية ومتطورة لثلاث دول وهي تركيا التي اشترت منظومة الدفاع الجوي الشهير إس 400.  وتعد تركيا مثالا رئيسيا، فرغم عضويتها في الحلف الأطلسي، فقد نسجت حوارا سياسيا مثمرا مع موسكو انتهى بقرار الأخيرة بيعها إس 400 وربما مقاتلات سوخوي 35 مستقبلا.

وتوجد الحالة المصرية التي اقتنت عدد من المقاتلات الروسية المتطورة وعلى رأسها سوخوي 35، حيث فضّلتها على إف 15 الأمريكية. وكانت مصر قد طلبت من البنتاغون اقتناء هذه الطائرات منذ أكثر من 30 سنة، لكن واشنطن كانت ترفض دائما، وبمجرد مصادقة روسيا على طلب مصر سوخوي 35، بادرت واشنطن الى المصادقة على الطلب المصري، لكن القاهرة لا ترغب في المقاتلة الأمريكية الآن. وكانت واشنطن تتهرب من بيع مصر هذه الطائرات حتى لا تشكل خطرا على إسرائيل، وهذا دفع وزارة الدفاع المصري الرهان على السلاح الروسي. وتراهن القاهرة على تغيير جذري في سياسة صفقات الأسلحة بالتخلي التدريجي عن السلاح الأمريكي والتوجه نحو السوق الصينية والروسية.

وتبقى الجزائر المثال الأبرز لهذه الاستراتيجية التي ترغب روسيا استقطاب دول جديدة، ونظرا لمتانة العلاقات بين موسكو والجزائر، ووجود هذه الأخيرة قريبة من الغرب وقلقة من سياسته، فقد حصلت الجزائر على أهم الأسلحة الروسية ومنها أسراب من طائرة سوخوي 30، وأنظمة الدفاع الجوي إس 300 وإس 400 وصواريخ إسكندر وتجهيز الغواصات بصواريخ كاليبر وبتقنيات لا تتوفر سوى لخمس دول في العالم، وهي الضرب بالصواريخ من قاع البحر. وحصلت الجزائر على هذه التقنية سنة 2019 بينما لم تحققها فرنسا سوى سنة 2021، ولا تمتلكها دول عريقة في سلاح البحر مثل إسبانيا وإيطاليا.

في غضون ذلك، هذه الاستراتيجية الجديدة تعتبر في العمق تكملة لاستراتيجية وضعتها موسكو سنة 2018، حيث كان الرئيس بوتين قد تعهد يوم 1 مارس 2018 خلال تقديم مجموعة من الأسلحة الجديدة واصفا إياها بالأكثر تطورا في العالم، التي يصعب اعتراضها، بأن جزء من هذه الأسلحة سيكون للرد على كل هجوم يتعرض له حلفاء روسيا وأصدقائها. وكان في ذلك اليوم قد شدد على أن الكرملين سيرد فوراً على أي هجوم نووي يستهدف روسيا أو يستهدف دولة حليفة بل وإن تعلق الأمر بأسلحة تقليدية.

وتأخذ معظم الدول كلام بوتين على محمل الجد لاسيما بعد الحرب ضد أوكرانيا، ولهذا ارتفعت الطلبات على السلاح الروسي خلال الثلاث سنوات الأخيرة وخاصة بعد الحرب ضد أوكرانيا، غير أن التساؤل يبقى هل ستستطيع الصناعة العسكرية الروسية تلبية جميع الطلبات.

توظيف بوتين للسلاح كعامل إغراء لجلب اهتمام الدول واستقطابها إلى فلك روسيا على طريقة الحرب الباردة عندما كان الاتحاد السوفياتي قائما، يهدف أساسا الى تحقيق هدف الكرملين الرئيسي هو “إضعاف هيمنة الغرب على العالم” عبر إضعاف ركائز النظام العالمي الذي ساد بعد سقوط جدار برلين، أي سياسة الغرب في بيع العتاد. ويهدف الكرملين الى ضرب هذه السياسية لأنها حاسمة في التقليل من هيمنة الغرب.

Sign In

Reset Your Password