إنتخابات البرلمان الأوروبي تعيد شبح القوميات والإنفصال… والبداية من اسبانيا

أنصار حزب بيلدو الباسكي المنادين بانفصال بدل الباسك عن اسبانيا

كان القادة والمفكرون الأوروبيون يرغبون في تحويل سنة 2014 التي تصادف الذكرى المئوية للحرب العالمية الأولى إلى مناسبة للحوار وتعزيز العلاقات وتحويل القارة الأوروبية إلى مرجع للحوار والحريات ومحاربة التعصب، لكن نتائج إلانتخابات الخاصة بالبرلمان الأوروبي التي جرت الأحد 25 ايار/مايو عصفت بهذه الأحلام بسبب تقدم القوى المتطرفة والراديكالية وكذلك بسبب تقدم القوى الإنفصالية التي لم تحظ بالاهتمام الإعلامي والسياسي أمام فوز «الجبهة الوطنية» في فرنسا. وعمليا، استأثر فوز «الجبهة الوطنية» في فرنسا باهتمام عالمي غطى على أحداث دولية كبرى وكذلك على مظاهر أخرى في أوروبا نفسها مرتبطة بهذه الإنتخابات رغم خطورتها وامتدادها إلى ملفات مثل الهجرة، ويتعلق الأمر بموضوع القوميات الصغيرة (الأقليات) في الاتحاد الأوروبي التي تهدد القارة بالانفجار. ويكتب المحلل أولوخيو لوبيث في جريدة «هيسبانداد» الرقمية «الكل يتحدث عن خطر اليمين المتطرف، وتناسوا خطر القومية في اسبانيا».
ولا يوجد يمين متطرف قوي في اسبانيا، فقد استطاع الحزب «الشعبي» وريث النظام الفرنكاوي (نسبة للجنرال فرانكو) تنويع عائلاته السياسية بين شبه متطرفة مسيحية إلى ليبرالية منفتحة. وبهذا تحول إلى سد يقف ضد ترعرع يمين قومي على شاكلة «الجبهة الوطنية» في فرنسا.
وعليه، فالقومية الإنفصالية كانت هي الموضوع الرئيسي في إنتخابات البرلمان الأوروبي الأحد الماضي في اسبانيا. وقد خلفت مفاجأتين، الأولى لم تكن مرتقبة وتتجلى في تراجع أكبر حزبين، «الشعبي» الحاكم و»الاشتراكي» المعارض، حيث لم يحصلا على 50٪ من الأصوات، وهذا يحدث لأول مرة منذ الانتقال الديمقراطي سنة 1975 برحيل الجنرال فرانسيسكو فرانكو، وإن كانت دول أوروبية قد عرفت هذه الظاهرة في الماضي من قبل مع إنهيار اليمين واليسار الكلاسيكي في دول مثل إيطاليا واليونان. والمفاجأة الثانية كانت مرتقبة، لكنها كانت تنتظر مزيدا من التأكيد، وهي فوز الأحزاب القومية التي تطالب بإنفصال كتالونيا وبلد الباسك.
وكانت إنتخابات البرلمان الأوروبي في إقليم كتالونيا بمثابة استفتاء أولي في انتظار الاستفتاء الذي أعلنته حكومة الحكم الذاتي يوم 9 تشرين الثاني/نوفمبر المقبل للبت في البقاء أو الإنفصال عن اسبانيا. وفي كتالونيا، حصلت الأحزاب المنادية بالإنفصال أو الاستقلال عن اسبانيا على أكثر من 60٪ من الأصوات وخاصة «اليسار الجمهوري الكتالوني» وكذلك حزب «الوفاق والتجمع»، بينما حققت الأحزاب الوحدوية أقل من 30٪. وفي إقليم بلد الباسك حققت الأحزاب القومية الداعية للانفصال قرابة 55٪ من الأصوات ومنها الحزب «القومي الباسكي» وحزب «بيلدو»، الجناح السياسي لمنظمة «إيتا»، وبقيت الأحزاب الوحدوية دون 30٪.
واستغلت حكومة الحكم الذاتي في كتالونيا نتائج الإنتخابات لتصر على عزمها على السير قدما في إجراء استفتاء تقرير المصير في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل. واعتبرت الأحزاب القومية في بلد الباسك نتائج الانتخابات الأوروبية تفويضا نحو حق تقرير مصير هذا الإقليم، ونتيجة هذا، صادق برلمان الحكم الذاتي في بلد الباسك الخميس الماضي على قرار يعلن «مشروعية حق الشعب الباسكي في تقرير مصيره».
ومن باب المقارنة، يعتبر موضوع القوميات في أوروبا ورغبتها في الإنفصال والاستقلال أخطر من أطروحات اليمين المتطرف. فأحزاب اليمين المتطرف تنتعش وتتراجع، ورغم أنها قطرية التفكير، فهي تدافع عن اتحاد أوروبي لا تتجاوز صلاحياته الدول الوطنية مثل فرض العملة الموحدة وفتح الحدود والتساهل مع الهجرة. بينما مشكل الأقليات الراغبة في الإنفصال هو بنيوي، وفق جميع الدراسات السياسية بما فيها الصادرة عن المركز الأوروبي الاستراتيجي.
وحذّر السياسي المخضرم، فيلبي غونثالث الخميس من انتعاش القوميات في أوروبا، واعتبرها خطراً آخر يهدد أوروبا. الذكرى المئوية الأولى للحرب العالمية حاضرة لدى الأوروبيين بقوة سنة 2014، في الكتب التي صدرت في المناسبة وفي الخطابات السياسية. والتاريخ يكشف دور الحركات القومية الإنفصالية في تفجير الصراع في الشرق قبل انتقاله إلى غرب القارة المهيأة بسبب الصراعات الاستعمارية، ليتحول الى حرب عالمية أولى.
القومية الضيقة فجرت حرب البلقان في التسعينات وحتى بداية القرن، وتقف القومية وراء تفجير أوكرانيا سياسيا حاليا، ولا أحد يضمن أن يسفر انفصال مناطق مثل كتالونيا وبلد الباسك عن تفكك عدد من دول أوروبا مثل بلجيكا وإيطاليا ومناطق فرنسية.
خطر اليمين المتطرف قد يتم إحتواءه عندما لا يلبي حاجيات المواطنين، لأنه قائم على استغلال الأزمات وعلى رأسها المالية، حيث سيبحث ناخب اليوم عن بديل غدا، لكن لا يمكن احتواء مطالب القوميات القائمة على ما يعتقد أنه حقوق سياسية وثقافية مقدسة تاريخيا. إنتخابات برلمان أوروبا، منحت نفسا لأخطر ما يهدد القارة، القوميات الإنفصالية، والبداية مع قوميات اسبانيا التي قد تنقل عدواها إلى مناطق أخرى.

Sign In

Reset Your Password