يدرس رئيس الحكومة الفرنسية السابق مانويل فالس الترشح إلى رئاسة بلدية مدينة برشلونة الإسبانية التي ولد فيها، وهو أمر يحدث لأول مرة في تاريخ أوروبا، ويبرر قراره بمواجهة ظاهرة الانفصال التي تتفاقم في القارة الأوروبية.
ويطلق الكثير من النعوت على مانويل فالس الذي شغل منصب وزير الداخلية، ثم رئاسة الحكومة في عهد رئاسة فرانسوا اولاند، ولعل أبرزها «الاشتراكي بدون اشتراكية»، في إشارة إلى اقتناصه الفرص السياسية لشغل مناصب. وكان يرغب في الانضمام إلى «إلى الأمام» الحركة السياسية التي أنشأها الرئيس إيمانويل ماكرون لتكون بديلا عن اليسار واليمين في فرنسا، وهو ما عرضه (فالس) للانتقادات لتخليه عن الحزب الاشتراكي في وقت حساس وحرج يتسم بأزمة عميقة. وكان فالس قد خاض الانتخابات الداخلية للحزب الاشتراكي للترشح باسم الحزب لرئاسة فرنسا ولكنه فشل.
لكن لا أحد كان ينتظر منه القبول المبدئي بالترشح لرئاسة بلدية مدينة في دولة أخرى، وهو الخبر الذي أعلن عنه نهاية الأسبوع الماضي. وفي هذا الصدد، اقترح حزب «اسيودادانوس» (المواطنون) على مانويل فالس الترشح لرئاسة بلدية برشلونة في الانتخابات البلدية المقبلة في إسبانيا. وانطلق زعيم هذا الحزب، ألبير رفيرا من مبدأ أن فالس ولد في برشلونة قبل هجرة والديه إلى فرنسا، كما يحق للأوروبيين ليس فقط التصويت بل الترشح في الانتخابات البلدية في أي دولة من دول أوروبا. ونقلت جريدة «لوفيغارو» الفرنسية عن مانويل فالس ترحيبه بالفكرة واحتمال كبير للترشح لرئاسة برشلونة.
ولم يتقبل عدد من السياسيين الفرنسيين هذه الفكرة، وعندما سألت وسائل الإعلام الفرنسية ستيفان لوفول، الناطق باسم الحكومة في عهد فالس وأبرز الاشتراكيين حاليا، اعتبر الخبر نكتة، ولكنه أعرب عن اندهاشه الكبير إزاء هذا الاحتمال عندما تأكد من صحة الخبر. وانتقد سياسيون آخرون فالس واتهموه بالانتهازية لعدم احترام المنصب الذي شغله سابقا وهو رئاسة حكومة فرنسا.
ويوجد سياسيون كانوا في دولة ثم انتقلوا إلى أخرى، ولعل أبرزهم كوهن بنديت أحد زعماء أيار 68، فقد بدأ في ألمانيا مع حزب الخضر قبل انتقاله إلى فرنسا. لكن هذه أول مرة في تاريخ أوروبا الغربية يوجد فرنسي تربع على رأس الحكومة ثم ينتقل إلى رئاسة بلدية في دولة أخرى.
ويبرر حزب اسيودادانوس اقتراح فالس لرئاسة بلدية برشلونة بمولده في هذه المدينة الكبيرة والشهيرة بالفريق الرياضي لكرة القدم، وهي عاصمة كتالونيا. ويعتبر فالس عاملا مساعدا على مواجهة ظاهرة الانفصال في كتالونيا. وقد يراهن الحزب على فالس للحد من الهيمنة التاريخية للأحزاب القومية الكتالانية على بلدية برشلونة.
وانخرط فالس عندما كان رئيسا للحكومة الفرنسية أو في الوقت الراهن في مواجهة ظاهرة الانفصال في مجموع الاتحاد الأوروبي، ويركز أساسا على كتالونيا لأنه يعتبرها مصدر العدوى لعدد من مناطق القارة ومنها في كورسيكا الفرنسية.
وتعيش منطقة كتالونيا توترا سياسيا خطيرا بعدما أجرت استفتاء تقرير المصير يوم الأول من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وترتب عنه بدء حملة محاكمات ضد أعضاء حكومة الحكم الذاتي، ومنهم رئيسها كارلس بوغدمونت الذي يوجد حاليا شبه لاجئا في ألمانيا بعدما قرر القضاء ملاحقته بتهمة التمرد السياسي على الدستور.