حان وقت الحوار بين نشطاء مدنيين مغاربة وصحراويي تقرير المصير للمساهمة في حل نزاع الصحراء

الأمين العام للأمم المتحدة بان كيمون رفقة مبعوثه الشخصي في نزاع الصحراء كريستوفر روس

Majdoubi1 بعد أيام قليلة، تحل الذكرى الأربعون لنزاع الصحراء في نسخته الثانية، والذي يعتبر من أطول النزاعات في القارة الإفريقية. ولا تحمل هذه الذكرى تقدما وانفراجا في المفاوضات بقدر ما تحمل قلقا من احتمال قوي للانزلاق نحو مواجهة حربية، كما حدث في الماضي بين المغرب وجبهة البوليساريو، ودامت 16 سنة ما بين 1975-1991.  وسط هذا القلق، يبقى التساؤل، هل يمكن للمجتمع المدني في المغرب العربي-الأمازيغي، التحلي بالجرأة ومد الجسور للمساعدة في البحث عن الحل، أسوة بتجارب مدنية في نزاعات في مناطق أخرى.

الذكرى الأربعون لنزاع الصحراء في نسخته الثانية تحمل رؤيتين متناقضتين، الأولى، يعتبرها المغرب استكمالا لوحدته الترابية والوطنية، من خلال المسيرة الخضراء الشهيرة يوم 6 نوفمبر 1975، بعدما فكك الاستعمار أوصاله الترابية. والرؤية الثانية أو الأطروحة المتعارضة، هي التي تتبناها البوليساريو وبدعم من بعض الدول، وعلى رأسها الجزائر، وتعتبر الوجود المغربي احتلالاء للصحراء يجب تصفيته. والنسخة الأولى من النزاع كانت بين المغرب واسبانيا قبل ظهور جبهة البوليساريو وتدويل الملف.

وبهذا، فنحن أمام ذكرى بنكهتين مختلفتين، طرف يؤكد على الاحتلال من جهة، وطرف يؤكد على ذكرى الاستقلال من جهة أخرى. وهذا يدل على مدى التعقيد الذي يسجل هذا الملف، وبالتالي صعوبة البحث عن الحل الذي يرضي الطرفين. وجربت الأمم المتحدة الكثير من آليات المفاوضات للبحث عن حل تشترط أن يكون عادلا ويضمن حق تقرير مصير الشعب الصحراوي، كما تنص عليه جميع القرارات الصادرة عن مجلس الأمن الدولي.

وفي هذا الصدد، جربت الأمم المتحدة المفاوضات المباشرة والمفاوضات غير المباشرة، وراهنت على اللقاءات السرية، وعينت مبعوثين لديهم خبرة وحنكة مثل وزير الخارجية الأمريكي الأسبق جيمس بيكر، كما سجل الملف محاولات خارج الأمم المتحدة مثل محاولة رئيس حكومة إسبانيا خوسيه لويس رودريغيث سبتيرو سنة 2004، عندما أراد صياغة حل في إطار إقليمي، ولكن الفشل هو العنوان البارز لكل هذه المحاولات. وبالموازاة مع هذه المفاوضات، جرى الحديث عن حلول مثل، استفتاء تقرير المصير والكونفدرالية واقتسام الصحراء بين المغرب والبوليساريو، لكن الرفض من هذا الطرف أو ذاك والتشبث بتصور واحد، إصرار المغرب على الحكم الذاتي، وتشبث البوليساريو باستفتاء تقرير المصير، هو المنطق السائد حتى الآن. ويبدو أن الأمم المتحدة قد أعدت مقترحا جديدا تناقشه الآن مع الأطراف الحالية.

والذكرى الأربعون للنزاع تبدو أنها تحمل منعطفا مقلقا، بسبب تلويح جبهة البوليساريو بالعودة إلى حمل السلاح واتهام الأمم المتحدة بالفشل في فرض حل. إذا حدث هذا السيناريو، ولا يمكن استبعاده في الظروف الحالية، فسيهدد منطقة شمال أفريقيا بالكامل. ووقتها ستكون خريطة العالم العربي مشتعلة من المحيط إلى الخليج، إما عبر نزاعات داخلية مأساوية مثل حالة سوريا وليبيا والعراق ونسبيا مصر، أو عابرة للحدود العربية مثل حرب اليمن. ووسط القلق من التطورات المقبلة وعدم نجاح الصيغ الكلاسيكية، يمكن لعناصر جديدة الانضمام إلى مساعي البحث عن حل للنزاع وفتح آفاق أرحب للمفاوضات، عبر مقترحات بناءة غير رهينة بالأجندات الضيقة للمغرب والبوليساريو والجزائر. وعلى رأس هذه العناصر المجتمع المدني في شمال أفريقيا أو المغرب العربي- الأمازيغي.

منذ بداية القرن الواحد والعشرين، أصبحت عناصر جديدة تؤثر على المسرح السياسي في العالم، وهي شديدة الارتباط ببعضها بعضا، ونخص بالذكر المجتمع المدني عبر جمعيات متعددة ومتنوعة الاختصاصات، التي ترغب في تصحيح أخطاء، بل أحيانا مآسي السياسيين عبر تقديم مقترحات مهمة، وفي الوقت ذاته، قوة الرأي العام الذي تخشاه الحكومات الآن.

ويوجد في منطقة المغرب العربي-الأمازيغي مجتمع مدني نشيط ومتقدم مقارنة مع باقي العالم العربي، يسجل حضوره في ملفات حقوق الإنسان ومراقبة السياسيين والدفاع عن البيئة. وقد يكون أنشط هذه المجتمعات المدنية وأكثرها جرأة، المجتمع المغربي. ومن ضمن الأمثلة في حالة الصحراء، رغم رفع الدولة يافطة الخيانة ضد كل من حاول تقديم مقترح مغاير للطرح الرسمي في نزاع الصحراء، لا تتردد جمعيات، مثل الجمعية المغربية لحقوق الإنسان في رصد الخروقات التي تشهدها الصحراء في حق مناصري تقرير المصير. في الوقت ذاته، يعلن ناشطون ومحللون عن طرح مقترحات للحل تكون غير متماشية مع الاستفتاء أو الحكم الذاتي.

وأمام الدرب المسدود وحضور آفاق مقلقة قد تجر إلى الحرب، نعتقد أنه حان الوقت لكي يدمج المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة كريستوفر روس ناشطي المجتمع المدني للأطراف المعنية بالنزاع من مغاربة وصحراويين، وكذلك جزائريين وموريتانيين وحتى إسبان في البحث عن تقديم مقترحات لحل النزاع ولو من باب الاستئناس. فقد انفتح في الماضي على الأحزاب السياسية، لكن هذه الأخيرة اكتفت في المجمل بتعزيز الرواية الرسمية لهذا الطرف أو ذاك، من دون تقديم مقترحات تعمل على امتصاص التوتر.

وقد يكون الأمر مختلفا في حالة المجتمع المدني لتحرره من الأجندات السياسية المباشرة، ومن دون انتظار الأمم المتحدة، يمكن لناشطي المجتمع المدني المبادرة في هذا الشأن.
في الوقت الراهن، توجد جالية صحراوية مهمة في دول الاتحاد الأوروبي، حيث يقتسم ناشطو هذه الجالية فضاءات العمل والنشاط النقابي والسياسي والحقوقي مع مغاربة في هيئات أوروبية، لكن يوجد بينهم «جدار برلين النفسي»، لا يتجرأ إلا قلة قليلة على اختراقه. وعليه، إذا كان سياسيو المغرب والبوليساريو يلتقون تحت إشراف الأمم المتحدة وفي لقاءات سرية، وإذا كانت الأمم المتحدة تنظم تبادل الزيارات العائلية، فلا أحد يمنع ناشطي المجتمع المدني للأطراف المعنية، وخاصة ناشطين مغاربة وصحراويين سواء وحدويين أو من أنصار تقرير المصير أو من  عقد لقاءات لتبادل وجهات النظر وتطوير المقترحات والمساهمة في خلق أجواء مناسبة تساهم في الوصول إلى حل نزاع استغرق طويلا وهناك مؤشرات مقلقة بعودة لغة السلاح بدل الحوار السياسي.

مقالات ذات صلة

Sign In

Reset Your Password