مواجهة عسكرية تركية-إيرانية عبر الطائرات المسيرة في الحرب الأوكرانية

درون عسكري تركي

تعد الصناعة العسكرية الإيرانية والتركية من الصناعات التي تحظى باهتمام كبير نظرا للقفزة النوعية في العتاد الذي ينتجه البلدان، ويبدو أن الحرب الأوكرانية ستتحول الى مسرح للمواجهة بين الطائرات المسيرة “الدرون” التي يصنعها البلدان بعد الأخبار التي تفيد باحتمال لجوء روسيا الى المسيرات الإيرانية، علما أن أوكرانيا تستعمل المسيرات التركية منذ شهور.

ومنذ اندلاع الحرب الروسية ضد أوكرانيا، لعبت المسيرات التركية “بيرقدار” دورا فعالا في إبطاء التقدم العسكري الروسي في عدد من المناطق ثم إلحاق خسائر بالمدرعات والدبابات وحتى بعض السفن الحربية الروسية الصغيرة في البحر الأسود. ورغم توفر روسيا على أنظمة مضادة للطيران فعالة للغاية، غير أن عنصر المفاجأة هو الذي لعب دورا كبيرا بحكم سهولة نقل هذه المسيرات نظرا لحجمها الصغير نسبيا، الى مناطق متعددة وفي سرعة قياسية لاسيما تلك التي تكون بدون دفاع جوي قوي.

ونجحت روسيا في تدمير الكثير من الطائرات المسيرة “بيرقدار”، ويجهل عدد تلك التي يحتفظ بها الجيش الأوكراني حتى الآن.  وكانت أوكرانيا قد اقتنت خلال 2019 ستة درون تركي “بيرقدار تي بي 2” رفقة الذخيرة الحربية، وعادت لشراء نسبة أكبر، بل وشرعت مع تركيا في صناعة “درون متقدم” لتوفر أوكرانيا على صناعة الذخيرة خاصة الصواريخ الصغيرة. وكانت موسكو قد قدمت احتجاجا لتركيا خلال ديسمبر الماضي على هذه الصفقات.

وفي المقابل، تشير المعطيات إلى احتمال كبير بلجوء روسيا الى المسيرات الإيرانية، وقد تكون قد اختبرتها خلال الأسابيع الأخيرة. وكان مستشار الأمن القومي جيك أوسوليفان قد كشف عن هذه المعلومات الأسبوع الماضي. ورغم تقدم روسيا في صناعة الطائرات المسيرة، قد تلجأ إلى إيران للحصول على بعض النسخ المتقدمة من الطائرات المسيرة التي تصنعها. وتنتج المصانع الحربية الإيرانية درونات أبابيل في نسخ متعددة للاستطلاع والهجوم، ودرونات المهاجر ودرونات الشاهد ودرونات كرار، وتتميز كرار بأنها من الطائرات الحربية الانتحارية.

وعمليا، أكدت المسيرات الإيرانية على مستوى حربي كبير خلال العمليات غير المعلنة التي شاركت فيها عبر أطراف ثالثة مثل الهجمات ضد منشآت عسكرية ونفطية سعودية من خلال الحوثيين في حرب اليمن، ثم خرق الأجواء الإسرائيلية عبر  استعمال حزب الله هذه المسيرات. واعترفت إسرائيل في أكثر من مرة أنها لم تنجح في اعتراض طائرات مسيرة  أطلقها حزب الله وجابت الأجواء الإسرائيلية وحلقت فوق مواقع عسكرية وعادت إلى الأجواء اللبنانية. والراجح أن إيران لا تزود الحوثيين وحزب الله بمسيرات متطورة بل من نسخ أقل تطورا خوفا من سقوطها في أيدي الإسرائيليين والأمريكيين والاطلاع على أسرارها. وجربت إيران مسيراتها في الحرب في سوريا والعراق. ويدرك الروس فعالية هذه المسيرات في سوريا.

وتسجل هذه الحرب وما يرتبط بها مفارقات كبيرة، فقد كان الغرب يتحفظ على التقدم التركي في صناعة السلاح ومنه الدرونات، حيث لا تتوفر أي دولة أوروبية الآن على مسيرات تنافس التركية، ولكن الغرب يشجع تركيا على مد أوكرانيا بهذه المسيرات وأسلحة أخرى. في الوقت ذاته، يعارض إيران بيع مسيرات الى روسيا، علما أنه يفتقد لأدوات الضغط لوقف أي صفقة إيرانية-روسية في هذا المجال. وستكون مشاركة المسيرات الإيرانية في الحرب الأوكرانية فرصة ذهبية للسلاح الإيراني لأن هذه المسيرات ستواجه أنظمة دفاع غربية متطورة، وهو امتحان حقيقي لها.

ويبرز الموقع الرقمي الأمريكي المتخصص في القضايا العسكرية “ميليتاري ووتش ماغازين” تفوق الصناعة العسكرية الروسية لكنها قد تحتاج الى مكمل، وقد تكون المسيرات الإيرانية الشاهد 129  والشاهد 181 والشاهد 1919 المنوط بها هذا الدور، فهي ذات تكلفة مالية محدودة ثم أنها تجمع بين خصائص المسيرة الأمريكية “بريداتور” والصينية “وي لونغ 2”.

ويتناول تمتع إيران بخبرة أكبر في نشر طائرات الشبح بدون طيار عالية الأداء في القتال أكثر من أي دولة أخرى، وهذه ميزة لا تتفوق فيها سوى دول قليلة وأساسا الولايات المتحدة والصين. وعليه “إذا تم نقل هذه الطائرات والتدريب والخبرة المصاحبة لها إلى روسيا مع احتمال مشاركة خبراء إيرانيين في استعمال هذه الدرونات، قد تغير من قواعد الاشتباك في المسرح الأوكراني”. ومشاركة خبراء عسكريين إيرانيين الى جانب القوات الروسية في أوكرانيا أمر وارد بحكم التنسيق بين البلدين في سوريا ثم مشاركة قواتهما في مناورات عسكرية متعددة.

ويثير التعاون الإيراني العسكري مع روسيا قلق البنتاغون  لتجاوزه الحرب في أوكرانيا الى مستوى أكبر. وصرح مدير المخابرات الأمريكي سي إي إي وليام بيرنز الأربعاء من الأسبوع الجاري في منتدى حول الأمن والقضايا الدولية في ولاية كولورادو بأنه لا يمكن الاستهانة والتقليل من بيع إيران مسيرات الى روسيا نظرا للدور الفعال للمسيرات في الحروب الحالية. ومن جهته، كشف وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستين الأربعاء من الأسبوع الجاري بأن “بيع إيران أسلحة الى روسيا فكرة سيئة، وننصح طهران بعدم فعل ذلك”.

ويمتد تخوف البنتاغون الى ما هو أبعد من الحرب في أوكرانيا. إذ يعلم البنتاغون استحالة تحقيق أوكرانيا أي فوز على القوات الروسية لاسيما وأن هذه الأخيرة لم توظف كل قدراتها بعد، لكنه لا يرغب فيما يلي:

في المقام الأول، يدرك البنتاغون أن أي مشاركة للمسيرات الإيرانية في الحرب يعني منح روسيا مصداقية كبرى للسلاح الإيراني، وبالتالي ستتهافت عليه الدول، وتصبح إيران مصدرة للدرونات الحربية، وهذا يترجم إلى نفوذ سياسي وكسب حلفاء وأصدقاء في المنتظم الدولي.

في المقام الثاني، يدرك البنتاغون أنه في حالة مصداقية استعانة روسيا بالمسيرات الإيرانية، فهذا سيكون بمقابل، والمقابل هنا سيكون حصول القوات العسكرية الإيرانية على أسلحة متطورة ومنها أنظمة الدفاع الجوي الشهيرة إس 400. وإذا حصلت على هذا النوع من السلاح، سيصبح شن أي حرب أمريكية-إسرائيلية ضدها بسبب المشروع النووي من باب المستحيل، علما أن الحرب لا تدخل ضمن مخططات البنتاغون.

ولا يمكن انتظار مواجهة مباشرة بين الطائرات المسيرة التركية والإيرانية في أجواء الحرب الأوكرانية، إذ لا يتعلق الأمر بمواجهات كلاسيكية بين المقاتلات كما وقع في عدد من الحروب، بل يجب معرفة نوعية الأهداف التي ستقصفها كل طائرة مسيرة وحجم الخسائر التي ستلحقها بمعسكر الآخر.

وإذا شاركت الطائرات المسيرة الإيرانية في هذه الحرب بعد المشاركة التركية لاسيما إذا لعب البلدان دورا ولو ثانويا، ستكون أول حرب حقيقية (بدل نزاعات) تشارك فيها دول كانت حتى الأمس القريب لا تنتمي الى نادي الدول المصنعة للعتاد العسكري. وهذا يحمل معه الكثير من المتغيرات الجيوسياسية لأن التطورات الدولية أوضحت الدور الكبير للسلاح في إعادة تشكيل العلاقات الدولية في الوقت الراهن كما حدث في الماضي خاصة إبان الحروب.

Sign In

Reset Your Password