رغم التوتر، معطيات التاريخ والواقع الميداني تستبعد وقوع حرب بين المغرب والجزائر

العلم المغربي والجزائري

كشف وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة يوم 7 نوفمبر 2024  في لجنة خاصة في البرلمان بنهج الجزائر خطوات تصعيدية من أجل الحرب ضد المغرب، تصريح يعتبر مفاجئا وفي الوقت ذاته، غير مفاجئ حسب القراءات والتأويلات. وأعطى التصريح الانطلاقة لسيل من المقالات في الصحافة العربية والدولية للحديث عن فرضية الحرب بين البلدين.

وتأتي تصريحات بوريطة لتلقي الضوء على نزاع قابل للانفجار مثل البركان الخامد  الذي ينفجر فجأة،  وفي سياق دولي يتميز باندلاع الحروب مثلما يقع في أوكرانيا وروسيا وكذلك في الشرق الأوسط بعد أحداث 7 أكتوبر الجاري، ونزاعات مسلحة أخرى مثل منطقة الساحل الإفريقي والسودان. وتجهل بالضبط التعابير والمصطلحات التي استعملها بوريطة لأنها حدثت أمام لجنة برلمانية كانت تناقش ميزانية الخارجية. وجرى نقل الخبر عن مصادر كانت في الاجتماع. إذ أن التصريح حول إعداد الجزائر للحرب لم يصدر عن المؤسسة الملكية ولا عن قيادة الجيش ولا عن رئاسة الحكومة، ولا في جلسة برلمانية علنية يتم فيها استعراض جميع حيثيات هذا الموضوع الشائك. وبهذا، لا يرقى التصريح الى إعلان مؤسساتي خطير، لكن لا يمكن التقليل، فهو صادر عن وزير من وزراء السيادة وربما يعكس مضمون تقارير حكومية واستخباراتية وعسكرية. كما يجب استحضار تصريحات المسؤولين الجزائريين ومنها تصريح الرئيس عبد المجيد تبون الذي ي حوار تلفزيوني يوم 30 ديسمبر 2022 ،  أنه “أمام تفاقمِ التوترِ بين المغرب والجزائر سنة 2021، كانت القطيعةُ الدبلوماسيةُ هي الحلَ الأمثلَ لتجنبِ الحرب”.

وعموما، هذا لا يمنع من وجود واقع ميداني مقلق يشير الى فرضية الحرب وهو ارتفاع تلميحات مسؤولي البلدين، وتجييش أطراف داخلية مغربية وجزائرية بل حتى أجنبية تشجع على هذه الحرب، ثم حشود عسكرية على الحدود البرية المشتركة، مما يجعل كل انفلات عسكري مثل عمل عسكري ولو ليس متعمدا كافيا لانفلات الأمور من السيطرة السياسية والدبلوماسية.

في الوقت ذاته، توجد عناصر تبرر الحديث عن الحرب وهي: أولا، استمرار دعم الجزائر عسكريا لجبهة البوليساريو،  حيث ارتفعت هجمات هذه الحركة ضد الجيش المغرب في الصحراء ومنها الهجوم الأخير على ضواحي بلدة المحبس. وفي عنصر آخر، الرواية الجزائرية التي تفترض تورط المغرب في مخطط دولي رفقة دول أجنبية منها إسرائيل والإمارات العربية لضرب استقرار هذا البلد المغاربي. وهذا قد يحيل على فرضية تنفيذ هجوم استباقي من طرف الجزائر.

ورغم وجود عناصر قابلة للتسبب في انفجار الوضع، تبقى فرضية وقوع الحرب بين المغرب والجزائر مستبعدة سواء اعتمادا على التاريخ وعلى حرص ووعي قيادتي البلدين بشأن، خطورة هذه الحرب على وضعهما ومستقبل البلدين. ومن أهم ما يمكن استعراضه في هذا المجال هو:

في المقام الأول، العلاقات المغربية-الجزائرية متوترة منذ ستين سنة، وخلال هذه الفترة الزمنية الطويلة، وقعت حرب واحدة بينهما وهي حرب الرمال سنة 1963، وكانت بخسائر بشرية ومادية محدودة جدا لكن تأثيرها السياسي والنفسي لم يندمل حتى الآن. ووقع تبادل للنار في منتصف السبعينات بسبب نزاع الصحراء في الحدود المشتركة، وتمت السيطرة على الأوضاع ولم يتطور الى حرب حقيقية رغم أن الأوضاع وقتها كانت جد متفجرة.

في المقام الثاني، وقعت حرب واحدة بين البلدين وهي حرب الرمال المشار إليها، بينما جميع حروب المغرب وطيلة قرون كانت ضد الدول الأوروبية التي حاولت غزوه واستعماره ومنها البرتغال التي احتلت شواطئه ثم بريطانيا التي احتلت طنجة في القرن السابع عشر ولاحقا ضد اسبانيا وفرنسا ومن أبرز الحروب ضد فرنسا حرب إيسلي وحرب ورغة، وضد اسبانيا حرب تطوان وحرب أنوال.  ومن جهتها، وقعت معظم حروب الجزائر مع اسبانيا التي احتلت وهران وحاولت احتلال الجزائر العاصمة سنة 1775، ولاحقا سقطت الجزائر تحت الاستعمار الفرنسي ما بين 1830 الى 1962، حيث خاضت ضده حروب دموية.

في المقام الثالث، رغم التوتر الجزائري-المغربي، فالمغرب يعتبر اسبانيا هي العدو الحقيقي لأنها هي التي تسبب في نزاع الصحراء أكثر من الجزائر وإن كانت الجزائر الآن هي التي تمول جبهة البوليساريو. وحاولت إسبانيا التهجم العسكري على المغرب سنة 2002 في ملف جزيرة ثورة ومازالت تحتل أراضيه في سبتة ومليلية وهي سبب تمزيق وحدته الترابية منذ قرون. ويعد المغرب عدوا في العقيدة الإسبانية منذ قرون، بينما يعد في العقيدة الجزائرية “عدو نسبي ومؤقت” بسبب الخلافات السياسية العميقة والظروف غير المناسبة.  ومن جانبها، لا ترى الجزائر في المغرب العدو الحقيقي بل “عدوا مؤقتا” بينما تتخوف من هجوم غربي عليها بحكم تحالفها المتين والاستراتيجي مع كل من الصين وخاصة روسيا، ويبقى الغرب قلق للغاية من سياسة الجزائر العسكرية، لأنه لا يمكن قبول دولة عربية ذات قوة في جنوب المتوسط. وتعاني دول أوروبية ومنها فرنسا من قوة تركيا التي تنافس باريس في مناطق مثل الساحل الإفريقي وليبيا، ولا ترغب فرنسا في تركيا جديدة في شمال المغرب. وكانت الجزائر قد توجست من هجوم غربي عليها لتغيير النظام القائم إبان الربيع العربي في تكرار لسيناريو ليبيا، ولهذا، سارعت روسيا وقتها الى تزويد الجزائر بأنظمة الدفاع الجوي المتطورة إس 400 لمنع أي محاولة غربية في هذا الشأ،.

في المقام الرابع، يدرك المغرب والجزائر أن حربا بينهما ستعني تدمير بعض البنيات التحتية ثم الاستنزاف العسكري المتبادل بدون تحقيق أي طرف نصرا حقيقيا لأن مواصلة الحرب يعني التوفر على موارد عسكرية ضخمة خاصة من الذخيرة، ويعاني العالم الآن من ضعف الذخيرة. ونرى كيف أن روسيا تضطر الى الاستعانة بذخيرة من الصين وإيران وكوريا الشمالية لكي تحافظ على الضغط العسكري على أوكرانيا.

في غضون ذلك، لا يمكن استبعاد وقوع مناوشات عسكرية في حالة انفلات عسكري بسيط، لكن من الصعب أن تتطور الى حرب حقيقية وطويلة، بل ستبقى محدودة مثل المناوشات العسكرية بين الهند وباكستان بين الحين والآخر.

Sign In

Reset Your Password