شهدت العاصمة الرباط يوم الأحد الماضي تظاهرة ضخمة بكل المقاييس طالبت بالإفراج الفوري عن المعتقلين السياسيين في المغرب، وعلى رأسهم الحراك الشعبي، وتأتي في ظروف استثنائية يمر فيها العالم العربي، من خلال عودة ربيع الشعوب من أجل الديمقراطية. كل هذا، يجب أن يدفع الدولة المغربية إلى التفكير في إيجاد حل يُجمع الكثيرون على أنه يجب أن يكون سياسيا، خاصة بعدما بدأت تأثيراته تمتد إلى ملف الصحراء.
لقد رفع المتظاهرون شعارا مركزيا، وهو الإفراج عن معتقلي الحركات الاجتماعية والرأي في المغرب، وأصبح عددهم كبيرا للغاية وبشكل مقلق، إذ كلما وضع الإنسان يده في نقطة معينة على الخريطة المغربية سيجد اضطرابات اجتماعية، بسبب تدهور الأوضاع، وسيجد معتقلين مرتبطين بالاحتجاجات. ويكفي إلقاء نظرة على تقارير حقوق الإنسان الصادرة في المغرب، ومن طرف مؤسسات دولية، وهكذا فقد جرى اعتقال المئات في الحراك الشعبي الاجتماعي، سواء في جرادة، أو في الحراك الشعبي في الريف، وصدرت في حقهم أحكام قاسية وصلت الى عشرين سنة، مثل حالة ناصر الزفزافي. وامتد الاعتقال إلى صحافيين بارزين، كان ذنبهم الوحيد هو الكتابة بجرأة في معالجة قضايا الشعب والسلطة، وأساسا الصحافي توفيق بوعشرين مؤسس جريدة «أخبار اليوم»، إحدى علامات الصحافة المستقلة في البلاد، ثم حميد المهداوي مؤسس الجريدة الرقمية «بديل»، وأحد رواد اليوتوب السياسي، أي نشر أشرطة الفيديو في موقع التواصل الاجتماعي، التي كانت تلقى إقبالا كبيرا، وكانت السبب الحقيقي في اعتقاله، ولكن بأغرب الاتهامات في تاريخ الصحافة المغربية وهي التستر على إدخال دبابات لاستعمالها في الحراك الشعبي في الريف.
وتعتبر المسيرة الوطنية يوم الأحد الماضي منعطفا يجب على الدولة الحاكمة أخذه بعين الاعتبار، لأسباب متعددة بهدف خلق أجواء جديدة في البلاد تتميز بالارتياح والانفراج بدل التوتر الخطير الذي يشهده المغرب. وفي هذا الصدد، عندما تتجاوز المشاركة الشعبية في أي مسيرة أو تظاهرة مئة ألف تصبح وقتها بمثابة استفتاء شعبي حقيقي من طرف الشعب على قضية ما، وهو ما حدث في المسيرة الوطنية أو تظاهرة الرباط يوم 21 إبريل/نيسان الجاري التي شددت على الإفراج عن المعتقلين.
وارتباطا بهذا، لم تشهد الرباط وحدها المسيرة بل دول أوروبية خلال نهاية الأسبوع مثل، هولندا وإسبانيا كانت مسرحا لتظاهرات الجالية المغربية على المطالب نفسها، وهي الإفراج عن المعتقلين السياسيين، وأساسا الحراك الشعبي في الريف، هناك إجماع داخلي وخارجي للمغاربة في هذا الشأن.
في الوقت ذاته، يجب عدم اطمئنان الدولة الحاكمة كثيرا إلى الشعور بالسيطرة على الأوضاع الاجتماعية والسياسية والأمنية. وكما قالت الأمينة العامة لليسار الاشتراكي الموحد نبيلة مونيب ما مفاده أنه: على الدولة أن تأخذ بعين الاعتبار ما يجري من عودة الربيع العربي، فقد تجر المغرب إلى متاهات غير مرتقبة بسبب سياستها غير الواقعية. وعمليا، المبالغة في الشعور بشأن السيطرة على الأوضاع يعد من أكبر الأخطاء التقييمية التي تقع فيها الأنظمة، حتى تقع مفاجآت كما نشهد الآن في الجزائر والرباط. والدولة العاقلة هي التي تعمل على إطفاء الحرائق عندما تسود أجواء التوتر بدل تغذيتها كما يحصل في المغرب. ومن جانب آخر، تأتي هذه المسيرة لتنبيه الدولة الحاكمة إلى أن المغرب وحده يشهد اعتقالات بالجملة مقارنة مع دول الجوار، إذ لم تحدث اعتقالات مشابهة في كل من تونس وموريتانيا، وخاصة الجزائر التي عاشت منذ سنوات احتجاجات قوية جنوب البلاد، أو ما يجري حاليا بعد سقوط نظام عبد العزيز بوتفليقة. كما لم تشهد دول مماثلة للمغرب مثل حالة الأردن اعتقالات رغم مطالب الشعب التي طالت المؤسسة الملكية. وهنا نتساءل: هل مازال الحاكمون يعتقدون في اسطوانة الاستثناء المغربي؟ أي تقدمه السياسي عن باقي دول الجوار. الإيمان هنا هو وهم حقيقي.
وتأتي المسيرة الوطنية في ظل تبلور خطاب مقلق للغاية، وهو ربط ما يجري في الريف بما يجري في منطقة الصحراء. تعيش هذه المنطقة توترا سياسيا، ورغم أن الدولة المغربية تعتبر الصحراويين مغاربة، فهؤلاء يتحدونها بإعلان رغبتهم في الانفصال، ولا يعترفون بسيادتها، بل يقوم صحراويون يعيشون في المغرب بزيارات لدول غربية للترويج لأطروحتهم السياسية، ويستعملون في تنقلاتهم جوازات سفر مغربية، وبمرتبات مالية مغربية. وتقف الدولة المغربية عاجزة عن مساءلتهم. وفي المقابل، يعلن ساكنة الريف رفضهم لأي انفصال ويتشبثون بانتمائهم الى وطن متعدد الهويات، ورغم كل هذا النفي تصر الدولة المغربية على اتهام الريفيين بالانفصال. وهذا دفع بأحمد الزفزافي وهو والد ناصر الزفزافي إلى التساؤل: لماذا تصمت الدولة في الصحراء عن الانفصال وتصر على اتهام الريف بالانفصال؟ وفي ارتباط بالصحراء، يبدي المغرب قلقه من احتمال تبني الأمم المتحدة آليات أممية تمنح لقوات المينورسو مراقبة حقوق الإنسان في الصحراء، ويؤكد توفره على آليات وطنية للقيام بهذا الدور، لكن المغرب يطلق النار على نفسه، من سيثق في تعهدات المغرب بشأن الصحراء، في وقت يتم الحكم فيه على شباب طالبوا بالشغل والصحة والتعليم بعشرين سنة سجنا. لقد نست الدولة الحاكمة الارتباط القوي بين الملفات الداخلية والخارجية.
إن ما جرى ويجري من تعسفات في الريف ومناطق أخرى له انعكاس مباشر على موقف المغرب من الصحراء خاصة في الشق الحقوقي. نعم، لن يثق المنتظم الدولي في تعهدات الدولة الحاكمة في المغرب في ما تقدمه بشأن الصحراء. وعليه، فهل هناك من خطأ استراتيجي أكثر من هذا؟