فقد المغرب يوم الجمعة 13 يونيو 2014 أحد أركان الفكر والبحث العلمي الذي ناضل طيلة حياته من أجل مغرب يعتمد التخطيط الاستراتيجي لتحقيق قفزة نوعية، ومن أجل مغرب متحرر من قيود الفرنكفونية ومنفتح على تجارب العالم.
فعن سن تناهز 81 سنة وبعد مرض عضال عانى منه لسنوات، يغادر المهدي المنجرة الى دار البقاء بعد مسيرة علمية حافلة ومشهود لها دوليا منذ تخرجه من جامعة كرونيل الأمريكية ومعهد الدراسات الاقتصادية في لندن في الخمسينات. إذ يعتبر من رواد علم المستقبليات حيث ترأس الاتحاد العالمي لعلم المستقبليات ما بين سنتي 1977 الى 1981 علاوة على عضويته في منظمات دولية أخرى. وسمح له موقعه في اليونيسكو إبان الستينات في المشاركة في رسم برامج التدريس في عدد من دول العالم بما فيها في الدول الأوروبية. ومنحت عدد من الدول الى المهدي المنجرة أوسمة وجوائز باستثناء المغرب.
فكريا، كان المهدي المنجرة الذي شغل منصب أستاذ منذ الخمسينات في جامعة محمد الخامس في الرباط من الأوائل الذين نبهوا الى حرب الحضارات في القرن العشرين والقرن الواحد والعشرين، وألف كتاب “حرب الحضارات” سنة 1991 الذي يعتبر من الكتب الأكثر مبيعا في تاريخ الكتب المغربية (باستثناء المقررات الدراسية)، شأنه شأن باقي مؤلفاته ومنها “قيمة القيم” سنة 2007 وحوار التواصل سنة 1996. وترجمت كتبه الى لغات مختلفة وخاصة اللغات الحية.
ودافع، المهدي المنجرة الذي كان أول مدير للإذاعة المغربية، طيلة حياته عن جامعة مغربية مستقلة عن التحكم السياسي سواء عن الدولة أو الأحزاب وطالب بدور حقيقي للمثقف والباحث في تنمية المجتمع بدون مهادنة السلطة، وهو ما جعله يتعرض للتهميش على يد السلطة الحاكمة على أعلى مستويات ومن بعض الأحزاب، حيث وصل الأمر الى منع محاضراته في بعض المدن المغربية. وبينما حاصرته السلطات المغربية علميا وثقافيا، فتحت له اليابان أبوابها.
وفي الوقت ذاته، وجه نقدا شديدا الى الطبقة المثقفة المتواطئة مع السلطة واعتبرها جزءا من الفساد ومن أسباب عرقلة تطور المجتمعات العربية. وكان أول رئيس للمنظمة المغربية لحقوق الإنسان، وتدخل الملك الحسن الثاني وعمل على إزاحته بطرق ملتوية من هذا المنصب لأن المنجرة انتقد أوضاع حقوق الإنسان في البلاد.
كان المهدي المنجرة من الأوئل الذين تنبؤوا باندلاع الثورات في العالم العربي، كتب سنتي 2005 في كتابه “اهانة في عهد الميغاإمبريالية” وسنة 2007 في كتابه “قيمة القيم” أن العالم العربي سيكون مختلفا في بداية العقد المقبل، ستثور الشعوب من أجل كرامتها ولن يكون الطريق سهلا.