رغم أن قانون الصحافة في المغرب الذي تم إصداره في العام 2012 عمل على توسيع حرية العمل الصحافي، إلا أن مؤاخذات الصحافيين والحقوقيين المهتمين، مازالت تعتبر النصوص القانونية المنظمة للمهنة لا تمنح الضمانات الكافية لحرية التعبير والعمل الصحافي كما هي متعارف عليها عالميا.
خطان متوازيان
يرى رئيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية يونس مجاهد أن ثمة خطين متوازيين فيما يتعلق بقضية حرية الصحافة.
أوضح مجاهد أنه على مستوى الخط الأول، يلاحظ توسعا في مجال ممارسة حرية الصحافة والإعلام بصفة عامة، فيما يكشف الخط الثاني عن وجود تردد مثلما تعكسه مجموعة من الوقائع والأحداث التي سجلت في تقرير النقابة من خلال تعرض مجموعة من الصحافيين لمضايقات تعددت وتنوعت بين المحاكمات والعقوبات والاعتداءات بالضرب من قبل قوات الأمن العمومي خلال التظاهرات وهم يباشرون عملهم.
ودعا إلى تطوير قانون الصحافة بشكل يتلاءم مع طبيعة المرحلة ومستوى التطور الذي يعرفه المجتمع المغربي والشعارات التي ترفعها الدولة نفسها.
قال: ” يتعين على القانون أن يكون واضحا ودقيقا ومسايرا لتحولات المجتمع المعاصر وللتطورات الحاصلة على مستوى التكنولوجيات الحديثة، كما أنه من المفروض أن لا يتضمن مفاهيم ومصطلحات فضفاضة يمكن أن تؤول ضد حرية الصحافة.”
ضمانات غير كافية
من جهة أخرى، اعتبر الباحث سعيد خمري عضو جمعية عدالة التي رفعت مؤخرا مذكرة حول حرية الإعلام والتعبير في المغرب، أن تخوفات الإعلاميين والمهنيين هو في أن تستمر هذه المضايقات التي تطال حرية الصحافة والتعبير بشكل عام.
أضاف خمري لـ”إيلاف”: “تلك التخوفات لا تشمل فقط الجانب المتعلق بالممارسات، ولكنها أيضا تهم الجانب القانوني والنصوص المنظمة لحرية الصحافة والتعبير التي يراها الصحافيون لا تعطي الضمانات الكافية لحرية التعبير والصحافة كما هي متعارف عليها دوليا وخصوصا المواثيق الدولية لحقوق الإنسان ذات الصلة. وفي الممارسة يعتبرون أنه لا زال هناك تضييق على حرية التعبير، وبالتالي هم يطالبون بتجاوز هذا الوضع وبكل القضايا المستعجلة التي يطرحها الإصلاح.”
عقاب سياسي
في إطار دعم حرية الصحافة وحرية التعبير في المغرب قدمت جمعية عدالة (جمعية حقوقية) رفقة عدة شركاء وبدعم من الاتحاد الأوروبي مذكرة يتوقع أن تحال على المرافعة البرلمانية.
يتعلق الموضوع بدراسة أنجزها خبراء انطلقت من واقع حال حرية الصحافة في المغرب، تقف عند مكامن الخلل كما تعطي حلولا ومقترحات.
سجلت الدراسة أن عشرات الصحفيين والإعلاميين أوقفوا عن ممارسة المهنة، بعد متابعتهم حول قضايا النشر وحرية التعبير، كما رصدت المذكرة عددا من المحاكمات القضائية الصادرة ضد صحف وصحافيين وإنزال عقوبات قاسية في حقهم، مشيرة إلى أن العقاب يأخذ طابعا “سياسيا”.
أشارت المذكرة إلى أن الحرب على الصحافة في المغرب “تتخذ وجهين” أحدهما ظاهر والأخر خفي، مشيرة إلى وجود بعض الوقائع الملتبسة، تتم في جنح الظلام، ويدل على ذلك مجموعة من القرائن والتصريحات والشهادات، التي تفيد بحصول حرب خفية ضد الصحفيين “.
تداخل القانوني والإرادة السياسية
وعلق خمري قائلا: ” تتداخل في مشكل حرية الصحافة في المغرب النصوص القانونية والإرادة السياسية، لاحظوا أن دستور 2011 أتى بمقتضيات جديدة ومتقدمة جدا فيما يتعلق بممارسة حرية الصحافة وبالحق في الحصول على المعلومات”.
يشير الفصلان 27 و28 من الدستور المغربي إلى الحق في ممارسة الصحافة والحق في الولوج إلى المعلومة.
وأشار عضو جمعية عدالة إلى أن الدستور يؤكد على التزام المغرب بالمواثيق الدولية وحقوق الإنسان كما هو متعارف عليها عالميا، بما يعني أن حرية الصحافة والإعلام جزء لا يتجزأ من هذه الحقوق الحريات.
وأقر خمري بأن ثمة حاجة ماسة إلى تعديل القوانين المنظمة لحرية الصحافة والتعبير “بما يلائم روح هذا الدستور وبمضامين حقوقية تستجيب لفلسفة العصر المنفتح على الحقوق والحريات”، على حدّ تعبيره.
وشدّد على أن الإشكال مزدوج بين حاجة القوانين إلى إصلاح وتعديل، وأيضا تجاوز هذه الممارسة وهو يتوقف على مدى توفر الفاعل السياسي على إرادة حقيقية في الإصلاح.
مسألة وقت
يذكر أن وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة المغربية مصطفى الخلفي كان قد صرح مؤخرا بمناسبة إصدار وزارته “التقرير السنوي حول جهود النهوض بحرية الصحافة 2012” أن المغرب لم يقطع بعد كل الأشواط فيما يتعلق بحرية الصحافة،
وأكد أن الطريق “لازالت طويلة وتحتاج إلى المزيد من العمل، إذ لا ديموقراطية دون صحافة حرة ومسؤولة.” حسب تعبيره.
واعتبر أن ما تحقق في مجال النهوض بحرية الصحافة ليس إلا مجرد بداية نحو تحديات أخرى تتعلق بدعم القدرات الصحافية خاصة ما يسمى صحافة التحقيق، ومواكبة المستجدات التكنولوجية والمنظومة المتطورة لإنتاج وبث الأخبار واستعمالها، إضافة إلى تعزيز وتقوية الخدمة العمومية