توجد الدولة المغربية في حيرة من أمرها بشأن التعامل مع المقاطعة الشعبية لبعض المنتوجات، وأخيرا اهتدت بعدما عجزت عن تبني رد إيجابي، الى التهديد بملاحقة المنادين بالمقاطعة. ولكنها لم تجب حتى الآن: لماذا لم تقم بتفعيل مجلس المنافسة المنصوص عليه دستوريا لحماية الشعب المغربي من “النهب الممنهج والمحمي بقوة القانون لدقرات الشعب”.
ودخلت المقاطعة أسبوعها الثالث، ومازالت تثير التساؤل عن الجهات التي تقف وراءها بين قائل أن الشعب وراءها وبين من يتحدث عن انتقام يستهدف شخصيات معينة، لكن يبقى الأساسي هو استغلال الشعب لهذه الفرصة لكي يعبر عن رفضه للاحتكار والأسعار غير المعقولة التي يعاني منها في عدد من القطاعات الحيوية.
وبعد تبخيس لمطالب الشعب من مداويخ وخيانة الوطن وصمت للدولة وعلى رأسها أحد أجنحتها وهي الحكومة، يقوم الناطق باسم هذه الأخيرة مصطفى الخلفي ليهدد المقاطعين بتهمة ملاحقة من يسيء للاقتصاد الوطني، بينما تحول وزير الحكامة الداودي الى ناطق باسم بارونات محتكري بعض القطاعات.
وتأتي مواقف الدولة المغربية بالتهديد خوفا من ارتفاع وثيرة المقاطعة وأن تشمل قطاعات أخرى سيتضرر منها لا محالة المسيطرين على اقتصاد “الشعب” بطريقة بشعة بل ووصل الاحتكار الى مستويات وحشية.
وكشفت المقاطعة كيف تنشأ الدولة المغربية مجالس ولا تقوم بتفعيلها مثل مجلس المنافسة المغيب عن المسرح الاقتصادي منذ إنشاءه. وأمام التهديد الصادر عن الدولة، فإن كل دولة تحترم شعبها، وفي حالة المغرب، يجب أن ترد على سؤالين أساسين وهما:
أولا، لماذا يوجد احتكار في قطاعات معينة حتى أصبح المغرب بمثابة قطعة بين بارونات الاقتصاد، وبالتالي جعل أسعار عدد من المواد تتعدى نظيرتها في الدول الأوروبية مع الفارق في الدخل المغربي الذي يبقى دون الدول الأوروبية بأكثر من عشر مرات.
وثانيا، لماذا هذه الدولة التي تدعي الحزم وتنفذ الاعتقالات الواسعة ضد المنادين بمطالب اجتماعية مثل الريف تحت يافطة “المحافظة على هيبة الدولة” لم تفعل مجلس المنافسة منذ سنوات لتحمي القدرة الشرائية الشعبية من الجشع الذي يصل الى مستوى النهب الممنهج. إن الدولة المغربية بعدم تفعيل مجلس المنافسة تعتبر شريكة في الإجرام الذي يتعرض له الشعب المغربي من أضرار تتعلق بالاحتكار والغلاء.
إن الدولة التي تحترم نفسها لا تجعل التلويح بالعصا عند كل أزمة اجتماعية بل هي التي تطبق القانون وتحترم الدستور، والدولة المغربية لم تحترم الدستور عندما تركت الشعب فريسة الشركات ومن أصحابها بارونات الاقتصاد في الدولة المغربية نفسها.